مرض عربي اسمه الطاعة

05 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 11:57 (توقيت القدس)
جزء من عمل لإدوار شهدا/ سورية
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يبرز بيار كلاستر في كتابه "مجتمع اللادولة" مفهوم الخضوع البشري الذي أشار إليه نيتشه، حيث يتجلى في الطاعة العمياء للزعماء، وهي ظاهرة تجاهلتها الثقافة العربية رغم ترجمة أعمال نيتشه وكلاستر للعربية منذ عقود.

- فؤاد زكريا هو المفكر العربي الوحيد الذي تناول ظاهرة الطاعة بعمق في مقالته "مرض عربي اسمه الطاعة"، والتي اختفت من التداول الفكري، مما يعكس الانحياز الجماهيري لخدمة الزعماء.

- تتجسد الطاعة في العالم العربي، خاصة في سورية، في الولاء الأعمى للسلطة، حيث ينضم المثقفون إلى جوقة التطبيل، مستعدين لتصفية المعارضة والدفاع عن الزعماء بلا نقد.

يضع بيار كلاستر في كتابه "مجتمع اللادولة" فقرة من كتاب "ما وراء الخير والشر" لنيتشه، تقول إنه منذ أن وجد البشر، كان يوجد قطعان بشرية، العبارة لنيتشه، أو للمترجم، تخضع دوماً إلى عدد صغير من الزعماء، (الأخويات الجنسية، الجماعات، القبائل، الأمم، الدول) وإن الخضوع هو أكثر ما مورس بين البشر، والأخطر من ذلك أنه يقول إن لدى كل واحد منا أساساً في ذاته، وحاجة فطرية للخضوع على شكل وعي صوري يأمره "افعل هذا دون نقاش"، "امتنع عن فعل ذاك دون نقاش". وهي فقرة كانت الثقافة العربية، ولا تزال، تتجاهلها، على الرغم من أن كتاب كلاستر ترجم إلى اللغة العربية عام 1980، أي منذ أكثر أربعين عاماً، وأن كتاب نيتشه نفسه تُرجم إلى العربية في عام 2003.

تبدو الفقرة شديدة الوضوح في التعبير عن حالة عامة في وضع البشر، تشهد لها الحروب والمنازعات التي تشارك فيها جموع وحشود بشرية، بحماسة قاتلة، بينما هي في الحقيقة لا شأن مباشر لها في أسباب قيام الحرب ذاتها. تجاهلت الثقافة العربية حتى اليوم ظاهرة الطاعة، والمفكر الوحيد الذي أشار إليها بقوة هو فؤاد زكريا، في مقالته "مرض عربي اسمه الطاعة" في كتاب "خطاب إلى العقل العربي". غير أن تلك المقالة اختفت تقريباً من التداول الفكري العربي، على غرار إشارة نيتشه، في ظل الانحياز الجماهيري غير المسبوق لخدمة الزعماء.

المفكر الوحيد الذي أشار إلى ظاهر الطاعة بقوة هو فؤاد زكريا

وسواء كنا بصدد رؤية نيتشه، أو مقالة فؤاد زكريا، فإن الوصف يطاول الموالاة، لا السلطة وطبيعتها، والموالاة ظاهرة متفشية في العالم العربي، وفي سورية، خاصة، إلى حد عجيب، يجعل من نيتشه مفكراً عصرياً يرى، ويلاحظ، ويسجل، تعبير البشر هنا، وتغير مواقفهم السريع، غير المفهوم، تجاه السلطة، بما يجعل العقل عاجزاً عن التفسير، وميالاً إلى وضع المواقف في إطار التفكير القطيعي. ثمة طرفة مريرة كان السوريون يرددونها، بعد أن استولى حافظ الأسد على السلطة، وهي أن المظاهرات التي كانت تخرج لمعارضة انقلابه، وهي تهتف ضدّه، تعود من آخر الشارع، وهي تهتف له. ولا ننسى المثل السوري الشهير الذي يقول: من يتزوج أمي، والمقصود بها هنا الدولة، أو سورية، أناديه يا عمي. 

لا يتجسد الولاء في الخضوع الذي أشار إليه نيتشه، أو فؤاد زكريا، اليوم، في سورية، فقط، بل في أن الجماعات البشرية، لم تتحوّل في الطاعة والولاء العاطفي فقط، بل في إنها كانت، وهي كذلك اليوم، مستعدة  لممارسة العنف، الجسدي، أو اللفظي، والقدرة على أخذ المبادرات في تنفيذ العقاب لمن لا يبدي ولاء مشابها لولائها، بالوكالة عن السلطة الحاكمة، أو نيابة عنها. 

اللافت في الأمر هذه المرة هو انضمام أعداد كبيرة، من المثقفين، من شرائح مختلفة لا إلى جوقة التطبيل، أي الولاء الخالي من روح النقد، بل إلى جيش  محارب مستعد لتصفية المعارضة، واتهامها بشتى التهم، أو التجييش والتحشيد ضدّ كل من يعارض سلطة الزعيم.

* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون