محمد حمشي: عن نظرية التعقّد في العلاقات الدولية

محمد حمشي: عن نظرية التعقّد في العلاقات الدولية

26 يونيو 2021
بول كلي/ سويسرا
+ الخط -

عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر حديثًا كتاب للباحث الجزائري محمد حمشي بعنوان "مدخل إلى نظرية التعقّد في العلاقات الدولية". وفيه يتناول هذه النظرية التي صارت مفاهيمها وافتراضاتها جزءاً من النقاشات السائدة في العلوم الاجتماعية؛ حيث يمثل التعقُّد مظهراً جوهرياً من مظاهر عمليات السياسة العالمية وتفاعلاتها، خصوصًا خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

يتناول الكتاب مزايا إقحام هذه النظرية في حقل العلاقات الدولية، بدءاً بفهم النظام الدولي بوصفه نظاماً معقّداً (أو نظاماً معقّداً يتشكّل من أنظمةٍ معقّدة عديدة) ونظاماً شواشيَّ السلوك، بدلاً من الفرضية التقليدية التي تقدّمه باعتباره نظاماً فوضوي البنية، وهي فرضيةٌ حافظت عليها التقاليد والنقاشات النظرية المتعاقبة التي شهدها تاريخ الحقل المعرفي.

ويسعى حمشي، من خلال عمله، إلى فتح نقاش بشأن عدد من الإشكاليات النظرية المتأصّلة في حقل العلاقات الدولية، والتي تندرج ضمن إشكاليتَي السببية والنظرية الكبرى، وما يمكن تعلّمه من نظرية التعقد لفهم المخارج الممكنة من المعضلات التي تُنشئها هذه الإشكاليات.

يتألّف الكتاب من ثلاثة عشر فصلاً، موزّعة في أربعة أقسام. في القسم الأول، مدخل إلى نظرية التعقد، ثلاثة فصول. يقدم المؤلف في الفصل الأول، "فيزياء الكوانتوم مدخلاً إلى نظرية التعقّد"، نقاشاً مقتضباً حول فيزياء الكوانتوم بوصفها مدخلاً إلى نظرية التعقّد، متفحّصاً المبادئ الأساسية المؤسِّسة لفيزياء الكوانتوم، وهي اللايقين والازدواجية والمصادفة والتراكُب. ثم يقدّم حمشي مجموعة من المفارقات التصورية لفهم هذه المبادئ. والمفارقات هذه تكمن ميزتها الأساسية في كونها تستند إلى موضوعاتٍ تنتمي إلى العالَم الماكروسكوبي (لا العالَم المايكروسكوبي الذي تبحث فيه فيزياء الكوانتوم)، وهي، من ثم، تنتمي إلى العالَم المشاهَد، لكنها مع ذلك تبقى معبِّرة عن تلك المبادئ التي تبدو غامضة بالنسبة إلى غير المتخصّص.

يتناول الكتاب مزايا إقحام نظرية التعقّد في حقل العلاقات الدولية

في الفصل الثاني، "نظرية التعقد: مفاهيم أساسية"، يعرض حمشي ستة مفاهيم أساسية تقوم عليها النظرية، هي: معضلة الأجسام الثلاثة؛ مفاهيم الشواش والحساسية (المفرطة) للتغير في الشروط الابتدائية؛ أثر الفراشة؛ التشعّب الثنائي والتماثل الذاتي؛ الهندسة الكسرية/ الفراكتلية؛ التنظيم الذاتي والمنظومات البعيدة عن التوازن.

في الفصل الثالث، "التعقّد والأنظمة المعقدة"، يناقش حمشي مفهومَ التعقد، متفحصًا خصائص ما بات يُعرف بالأنظمة المعقدة بوصفها مدخلاً أساسياً لفهم خاصية التعقّد في حدّ ذاتها.

في القسم الثاني، "نظرية التعقد في العلاقات الدولية: الوعود والحدود؟"، ثلاثة فصول. يبحث المؤلف في الفصل الرابع، "التعقد بوصفه خاصية للعلاقات الدولية"، في وجهات النظر المتنامية التي تسعى إلى مساءلة تسمية "الدولي " في حقل العلاقات الدولية، والتي تحتجّ بكون أن تسمية "العلاقات بين الدول" باتت أضيق من أن تتمكّن من وصف الطيف الآخذ في الاتساع من الفواعل والتفاعلات التي ينبغي للحقل المعرفي أن يغطّيها. ويركّز على مساهمات جيمس روزنو بشأن مفهوم "الحكم من دون حكومة" الذي صار أساساً لمفهوم الحوكمة العالمية، كمفهومٍ إبستيمولوجي وأنطولوجي في الوقت نفسه، كما يركّز على إبراز الاستبصارات التي يمكن بارادايم الاضطراب، الذي وضعه روزنو، أن يزوّدنا بها لفهم مظاهر التعقد في السياسة العالمية الراهنة.

في الفصل الخامس، "التعقّد بوصفه مقاربة نظرية للعلاقات الدولية"، يناقش حمشي ثلاثة مواضيع أساسية على جدول أعمال مساهمات نظرية التعقّد داخل حقل العلاقات الدولية: خاصّية التعقد في النظام الدولي، وإشكالية مستويات التحليل، والدعوة إلى إضفاء الطبيعة العابرة للتخصصات على الحقل المعرفي. ثمة أيضاً فحصٌ لخاصّية التعقّد في السياسة العالمية عبر فحص النظام الدولي كنظامٍ عالمي معقد، ويجري اقتراح إعادة النظر في فرضية الفوضى كفرضيةٍ مؤسِّسة، ومن ثم تقديم النظام الدولي بوصفه نظاماً شواشيَّ السلوك بدلاً من تقديمه بوصفه نظاماً فوضوياً، مع المحاججة بأن مفهوم الفوضى هو مفهوم تبسيطي لنظام متزايد التعقد.

كما يتطرّق إلى مضامين الدعوة التي يعتمدها أنصار نظرية التعقّد، وهي دعوة إلى عبور الحدود الفاصلة بين مستويات التحليل التقليدية، والتأمّل في الارتباطات (البينية) بين هذه المستويات والكيفية التي تنتفي بها الهرمية التقليدية بينها وتصبح جميعُها مهمة في أي عملٍ تحليلي، فضلاً عن الإمكانية المستمرة في انبثاق مستويات جديدة جراء التعقد المتزايد في السياسة العالمية، مستعيناً بأدوات تحليلية مساعدة، كشريط موبيوس الذي يعبّر عن ظاهرتَي اللاتمايز وعدم القابلية للتمييز بين الداخلي والخارجي، ومفهوم المنطق الضبابي الذي يعبّر عن حالة الضبابية والغموض غير القابلة للاختزال في مفاهيم متخيَّلة ومضلِّلة مثل الحدود والمستويات.

الصورة
مدخل إلى نظرية التعقد في العلاقات الدولية - القسم الثقافي

في الفصل السادس، "وعود نظرية التعقّد وحدودها في حقل العلاقات الدولية"، يناقش حمشي الوعود التي يُنتظر أن تحقّقها نظرية التعقد في حقل العلاقات الدولية، وتتمثّل في إعادة تعريف الحقل المعرفي، وإعادة التفكير في إمكانية التنبّؤ بالسلوك اللاخطّي للنظام الدولي المعقّد/ الشواشي. كما يناقش ثلاثة افتراضات أساسية تقوم عليها نظرية التعقد في الحقل: اللاحتمية واللاتعيُّن، وعدم القابلية للتفكيك، واللاخطية. ويستعرض المبادئ الإبستيمولوجية الأساسية للنظرية، كما حددها كافالسكي: المنطق الحواري، والتآثر بين الأسباب والنتائج، والهولوغرامية التي تصف انتفاء الحدود التقليدية بين الكُلَّات والأجزاء، حيث يمكن الكلَّ أن يكون في الوقت نفسه جزءاَ لكلٍّ أكبر منه، أو أن يصبح كذلك كلاً في حدّ ذاته.

في القسم الثالث، "نظرية التعقد وإشكالية السببية في حقل العلاقات الدولية"، أربعة فصول. يقدّم المؤلف في الفصل السابع، "النقاش بشأن أسباب الحرب: فحص المداخلات الأساسية"، قراءة نقدية مقتضبة في المداخلات الأساسية في النقاش حول أسباب الحرب، كمظهرٍ للأزمة الإبستيمولوجية التي تتسم بها إشكالية السببية.

في الفصل الثامن، "السببية بوصفها إشكاليةً في حقل العلاقات الدولية"، يناقش المؤلّف المضامين الإبستيمولوجية للسببية بوصفها إشكاليةً في حقل العلاقات الدولية. ويقول حمشي إن البحث في الفشل الذي تعانيه مساعي الوصول إلى نظرية مقبولة بشأن أسباب الحرب ينبغي أن يعتمد مقاربةً ما وراء نظرية، كما ينبغي إطلاق الدعوة إلى مساءلةٍ إبستيمولوجيةٍ لمفهوم "السبب" في حدّ ذاته، وللكيفية التي يجري بها التفكير في شأن مسألة السببية، بدلاً من الاستمرار في فحصِ المقولات المُتضمَّنة في المداخلات التي تناقش مضامين الأسباب كلٌّ على حِدَة.

ظلّت الفرضية التقليدية تقدّم التعقّد باعتباره نظاماً فوضوي البنية

في الفصل التاسع، "نحو مفهومٍ بديلٍ للسببية في حقل العلاقات الدولية"، يسعى حمشي إلى تقديم المفهوم البديل للسببية، الذي يستند إلى مساهمات الواقعية النقدية، مثلما يسعى إلى استخلاص بعض الدروس من نظرية التعقد. وينطلق من الافتراض أن التفسيرات السببية ينبغي أن تكون حسّاسةً للتعقّد (المتزايد) الذي دائمًا ما يجعل الأسباب في العالم الاجتماعي معقدة، وأن تعمل وتتفاعل ضمن مُركَّبات سببية، ولا تُعطى/ يُبحث عنها بوصفها متغيرات مستقلة بعضها عن بعض.

في الفصل العاشر، "من الميكانيزمات السببية إلى المركّبات السببية: دروس من نظرية التعقد"، يستخلص المؤلّف من نظرية التعقد دروساً لتبرير الانتقال من مفهوم الميكانيزمات السببية إلى مفهوم المركّبات السببية.

في القسم الثالث، "نظرية التعقّد وإشكالية النظرية الكبرى في حقل العلاقات الدولية"، ثلاثة فصول. يقدم المؤلف في الفصل الحادي عشر، "إشكالية 'النظرية الكبرى' في حقل العلاقات الدولية"، قراءة في المداخلات الرئيسة بشأن إشكالية النظرية الكبرى في الحقل، مع التركيز على مداخلات كريس براون الذي يجادل على نحو واضح بغياب نظرية كبرى واحدة تتطور وفقًا لنقاشات داخلية متسقة تعبّر عن وجود تقدّمٍ معرفي كما تعرّفه الدراسات الإبستيمولوجية للحقل.

يناقش الفصل الثاني عشر، "الانتقائية التحليلية في حقل العلاقات الدولية"، مفهوم الانتقائية التحليلية من بين النظريات في علاقته بإشكالية النظرية الكبرى، مع إبراز وعود الفلسفة الانتقائية والدروس الممكن تعلُّمها من نظرية التعقد.

في الفصل الثالث عشر والأخير، "من الانتقائية التحليلية إلى الواقعية النقدية: نحو نزع الطابع الإشكالي عن مسألة الإبستيمولوجيا في حقل العلاقات الدولية"، يعرض المؤلّف مجموعة من الملاحظات حول الكيفية التي يمكن أن تساعدنا بها المداخلات، بشأن إشكالية النظرية الكبرى والانتقائية التحليلية، في تصور آفاق نزع الطابع الإشكالي عن مسألة الإبستيمولوجيا في الحقل المعرفي.

يُذكَر أنَّ محمد حمشي باحث في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" وأستاذ مساعد في "معهد الدوحة للدراسات العليا". حاز دكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة باتنة، وعمل سابقاً أستاذاً في العلاقات الدولية بجامعة أم البواقي في الجزائر.

المساهمون