ما تبقّى من كليوباترا.. سرديات جديدة تُفكك صورة الملكة

23 مايو 2025
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- احتفت المكتبة الهولندية بترجمتين جديدتين عن الملكة كليوباترا، تركزان على إعادة قراءة حياتها وسير الملكات اللواتي حملن الاسم نفسه، مع التركيز على الفجوة بين الأسطورة والواقع.
- يقدم ديك هاريسون تفكيكًا للصورة النمطية لكليوباترا، مشيرًا إلى أن جمالها كان دعاية رومانية، بينما يعيد لويد لويلين جونز سرد تاريخ الملكات السبع اللواتي حملن اسم كليوباترا.
- ورثت كليوباترا السابعة العرش في سن 17 عامًا، وسعت لتحالفات سياسية لإنقاذ عرشها، لكن هزيمتها في معركة أكتيوم أدت إلى انتحارها، مما يستدعي قراءة جديدة لواقعها السياسي المعقد.

شهدت المكتبة الهولندية مؤخراً احتفاءً بترجمتين جديدتين عن شخصية الملكة كليوباترا، آخر ملكات مصر البطلمية، وهما عملان صدرا حديثاً، أحدهما عن اللغة السويدية والآخر عن الإنكليزية، ليعيدا قراءة حياة الملكة الشهيرة وسير الملكات اللواتي حملن الاسم نفسه، في محاولة لردم الفجوة بين الأسطورة والواقع.

العمل الأول يحمل عنوان "كليوباترا، حياة ملكة أسطورية"، وهو سيرة كتبها المؤرخ السويدي المتخصص في العصور الوسطى ديك هاريسون، وهو صاحب مؤلفات شهيرة عن شخصيات تاريخية مثل توت عنخ آمون، وكريستينا السويدية، وهنري الثامن. أما العمل الثاني فجاء بعنوان "الكليوباترات: ملكات مصر المنسيات"، للباحث البريطاني لويد لويلين جونز، أستاذ التاريخ القديم بجامعة كارديف ومدير برنامج إيران القديمة في المعهد البريطاني للدراسات الفارسية، حيث يتتبع سِيَر سبع ملكات حملن اسم كليوباترا، ويختتم بحثه بكليوباترا السابعة، الأكثر شهرة في التاريخ.

يبدأ هاريسون عمله بتفكيك الصورة النمطية للملكة كليوباترا، مؤكداً أنَّ ما نعرفه عن جمالها الطاغي هو نتاج خيال ودعاية رومانية مضادة، لا تعضده أي مصادر موثوقة، ويشير إلى أنَّ الصورة الوحيدة المعروفة لكليوباترا السابعة نُقشت على ورقة بردي استخدمت لاحقاً في تحنيط مومياء، ما يكشف عن فقر المصادر الأصلية حول مظهرها وسيرتها الذاتية.

فقر المصادر الأصلية حول مظهرها أو حتى سيرتها الذاتية

ويضيف المؤرخ أن ما بيننا وبين حياة كليوباترا ضباب كثيف من الإشاعات والكتابات المشكوك بها، فكل ما خلّفه أعداؤها الرومان عنها كان تشويهاً متعمداً لصورتها.

وفي هذا الإطار، يعيد هاريسون رسم ملامح كليوباترا كسيدة قوية، تركز جهودها على الحفاظ على استقلال مصر، ويدحض الصورة التي رسمتها عنها الحكايات الغربية كامرأة اعتمدت على رجال أقوياء كقيصر وأنطونيو، ويؤكد أنها خاضت صراعاً شرساً للحفاظ على ما تبقى من الإمبراطورية البطلمية في ظل تصاعد النفوذ الروماني. 

من جانبه، يقدّم لويلين جونز سرداً تاريخياً دقيقاً للملكات السبع اللواتي حملن اسم كليوباترا ضمن الحقبة البطلمية. يروي في كتابه كيف تأسّس الحكم البطلمي على يد بطليموس الأول، وهو أحد قادة جيش الإسكندر الأكبر، وكيف أصبحت مصر مع الزمن دولة تابعة لروما منذ 168 (ق.م) ويستعرض حكايات ملكات مغمورات، مثل كليوباترا الثانية والثالثة والثيا والتريفينا، ودورهن في خضم صراعات القصر، حيث لم يكن غريباً أن يجمع الحاكم بين علاقات سياسية وعائلية مع أخواته أو بنات إخوته، في إطار ممارسة البطالمة سفاح القربى أداةً لبسط النفوذ.

يشير هاريسون إلى أن كليوباترا السابعة ورثت العرش في عمر 17 عاماً، في ظل أزمة اقتصادية ومجاعة ضربت البلاد بعد انهيار حكم والدها بطليموس الثاني عشر. في هذا السياق، نسجت كليوباترا تحالفات سياسية مع قيصر ثم مارك أنطونيو، في محاولة لإنقاذ عرشها. لكنها لم تنجح في مواجهة الطموح المتصاعد لأوكتافيان، الذي هزمها وأنطونيو في معركة أكتيوم البحرية (31 ق.م)، ما أدى إلى انتحار أنطونيو، ثم انتحار كليوباترا بلدغة أفعى خوفًا من إذلالها في روما.

شكلت وفاة كليوباترا نهاية العصر الهلنستي في مصر، وبداية السيطرة الرومانية الكاملة، كما أن سيرتها الغامضة تحولت إلى مادة خصبة للأدب والمسرح والسينما، من دون مرجعية تاريخية دقيقة.

ويُجمع الباحثان على أن ما تبقّى من صورة كليوباترا اليوم هو نتاج مزيج من الدعاية الرومانية، والتخيل الأدبي، والغياب الوثائقي، ما يفرض ضرورة قراءة جديدة، تُنزِل كليوباترا من علياء الأسطورة إلى واقعها السياسي المعقد كامرأة حاربت للحفاظ على كيانها وكينونة بلدها.

 

* شاعر وكاتب من مصر

المساهمون