ماذا تعلّمنا من سقراط؟

11 ابريل 2025
تمثال سقراط أمام "فناء أكاديمية أثينا"، اليونان (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- سقراط، الفيلسوف الأثيني، اختار الموت بالسم على الهروب، ليؤكد أن حبه لأثينا وقوانينها يفوق أي سلطة، حتى لو كانت ظالمة، مما يثير تساؤلات حول قيمة الموت في سبيل الأفكار الكبرى.
- الكاتب أنطونيو توفار يستعرض حياة سقراط في عالم يفتقر للقيم، حيث ندر المدافعون عن القضايا الإنسانية في مواجهة السياسة والطغيان.
- في العالم العربي، تتشابك السياسة مع الدين، مما يبرر العنف والنفاق، ويقضي على مفاهيم الأخلاق والثقافة، ليبقى الفكر والإبداع محاكاة للسلطة.

كان سقراط، الذي اعتاد أن يتجوّل في شوارع أثينا حافيًا ويحثّ الناس على الفلسفة، نقاشًا وجدلاً، الفيلسوف الأول الذي انتصر للحقيقة أمام السياسة. على الرغم من أن تلميذه كريتون كان قد عرض عليه المساعدة، فإنه أصرّ على المثول أمام المحكمة وتنفيذ الحكم الظالم الذي صدر ضدّه.

شرب سقراط السم غير مكترث بالموت، ممتثلًا لتعاليم الجلاد؛ التي كانت تمثّل في ذلك الوقت تعاليم السلطة الحاكمة، سلطة أثينا. بدا وكأنه أراد أن يُدان بتهمة "إفساد الشباب والإلحاد"، كي يُثبت أن حبّه لأثينا أكبر من أي سلطة.

كانت قوانين المدينة مقدسةً بالنسبة له. ربّما يمكن أن يُفهم موته بتلك الطريقة نوعًا من الحبّ والتفاني من أجل تطبيق القوانين المدنيّة، مهما كانت عبثية.

هل أخطأ سقراط لأنه لم يسمع نصيحة تلاميذه وفرّ هاربًا؟ ما هو ذلك الدرس الذي أراد أن يعلّمه لمدينة أثينا وسكانها؟ وهل من عبرةٍ أراد أن يتركها للعالَم في موته بتلك الطريقة؟ هل هي أن الموت في بعض الأحيان يمكن أن يكون أغلى من الحياة، خصوصًا عندما يتعلّق الأمر بالأفكار والقضايا الكبرى التي تسيّر مصائر البشر؟ وهل تعلّمنا الدرس حقًا؟

يسأل الكاتب الإسباني أنطونيو توفار في كتابه "حياة سقراط" هذه الأسئلة والعديد غيرها، مستعيدًا حياة هذا الفيلسوف والمفكّر في عالم صار بلا قيم، عالم صار فيه الأشخاص الذين يدافعون عن القضايا الإنسانية الكبرى أمام مكر السياسة والسياسيين، وأمام الطغاة وأنظمة الطغيان، نادرين.

يكاد يكون نادراً وجود أشخاص يقفون لصالح الحقيقة في وجه السياسة

في العالم العربي بشكل خاص، يكاد أن يكون نادرًا العثور على أشخاص يقفون لصالح الحقيقة في وجه السياسة، ذلك أن السياسة في هذا الشقّ من العالم تتشابك مع الدين، متجاوزة بذلك حدودها لتشمل كل ما يتعلق بتنظيم الإنسان العربي لحياته، من الناحية الاجتماعية والفكرية والثقافية، من ناحية السلوك والعادات والممارسات والأفكار.

إن امتثال الإنسان العربي لما تقوله السياسة، حتى لو كان ما تقوله كذبًا ونفاقًا، يسوّغ بشكل أو بآخر لسياسة العنف والطغيان بمختلف أشكاله ومستوياته، ويسوّغ أيضًا القتل والموت في سبيل الكذب.

بدورها، قضت السياسة العربية على مفهوم "الأخلاق"، وأحلت محله مفهوم "النفاق"، كذلك قضت على مفهوم الثقافة بمعنى الإبداع والحرية والأصالة، وأحلت محله مفهوم "المحاكاة"، وبذا لم يعد ثمة مفكرون وكتّاب وأدباء أحرار بالمعنى العميق للكلمة. بل يسود اليوم في المشهد السياسي أدوات تابعة لسلطة أو لأخرى؛ وفي المشهد الثقافي مثقفون تابعون لنظام أو لآخر.

يبدو أننا لا زلنا في المكان نفسه. لم نتغير. بل فعلنا كل شيء حتى نبقى كما نحن. في المكان نفسه. الموت هو أيضًا أن يبقى الشيء نفسه. هو حالة مستمرة لا يتغير فيها من يدخلها. هل يصح أن نقول إذن أننا أموات؟

 

* شاعر ومترجم سوري مقيم في إسبانيا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون