مئوية صبري راغب.. وجوه وأرواح في اللوحة

مئوية صبري راغب.. وجوه وأرواح في اللوحة

09 أكتوبر 2020
(من فيلم تسجيلي حول صبري راغب من إخراج شويكار خليفة)
+ الخط -

في أوّل معرض فردي له عام 1952، قدّم صبري راغب حوالي مئة وسبع عشرة لوحة لزوجته إيفون في مراحل عمرها وحالاتها النفسية المختلفة، ليترسخ في ذاكرة التشكيل المصرية واحداً من أهمّ رسامي البورتريه ويشكّل امتداداً للجيل الأول من الفنانين من أمثال يوسف كامل (1891 – 1973) وأحمد صبري (1889 – 1955).

بحث الفنان التشكيلي المصري (1920 – 2000) الذي تمر مائة عام على مولده، في توزيع الظلّ والنور في اللوحة وفي بعث الروح في الوجوه التي يرسمها عبر إظهار تلك الحركة الدراماتيكية في نظراتها وتتبعها أثر الإضاءة، في محاولة لاستعارة تلك الحيوية في رسومات رامبرانت.

الصورة
(من أعمال صبري راغب)
(من أعمال صبري راغب)

ظل البورتريه والطبيعة الصامتان العنصران الأساسيان طوال تجربته الممتّدة لنحو ستّة عقود، وفق تكوين تعليمي بدأه عندما التحق بمدرسة سكولا ليبرا دل فودو لدراسة الجسد العاري في روما، لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية حال دون استكمال دراياته فرجع إلى مصر ومنها سافر إلى إيطالية مرة أخرى ليدرس في "أكاديمية روما"، ويعود إلى بلاده ليتخرج من كلية الفنون الجميلة عام 1952.

لم يبتعد عن الانطباعية في الفن طوال تجربته الطويلة، متأثراً برموزها الفرنسيين خصوصاً، ومن أبرزهم إدغار ديغا في مرحلة كانت النخب البرجوازية المصرية تهتمّ كثيراً بفن ينزع نحو البهجة ولا يحفل كثيراً بالموضوع، ونفّذ معظم أعماله بالألوان الزيتية والمائية والباستيل.

الصورة
(من أعمال صبري راغب)
(من أعمال صبري راغب)

آمن راغب بما يقدّمه رغم كلاسيكية أسلوبه وثيماته، فلم يسع إلى الخروج عن إطار فهمه للفنون، ولم ينزع نحو التجريد أو المزج بين التشخيص والتجريد، واكتفى حتى رحيله بعد عزلة مديدة برسم وجهه الذي قدّمه في عشرات الأعمال، ووجوه الآخرين، والمناظر الطبيعية ضمن منظر يركّز على جماليتها في الواقع.

واعتنى في فنّه بفهم الأبعاد النفسية للشخصيات التي رسمها، بدءاً من زوجته إيفون التي كانت الموديل الرئيسي في حياته، وصولاً إلى الكتّاب والسياسيين مثل توفيق الحكيم الذي سجّل مقولته بأن راغب يرسم الروح لا الجسد، إلى جانب لويس عوض ونجيب محفوظ ومحمد عبد الوهاب وزكي نجيب محمود وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس وأحمد بهاء الدين، والرئيسين الإندونيسي أحمد سوكارنو السوري شكري القوتلي.

اشتهرت بورتريهاته النسائية خاصة لدى الفنانين الأكاديميين في مصر، ومنها لوحة لامرأة ترتدي غطاء على رأسها، وثانية لامرأة تنهمك في أعمال الخياطة والتطريز، وثالثة لامرأة تشاهد التلفزيون أو تجلس على مقعد أو تحمل وروداً بين يديها، بالإضافة إلى لوحاته الكثيرة التي تحتوي الزهور في إناء (مزهرية) بألوان عديدة وموضوعة في أماكن متنوّعة في البيت، أو لمناظر طبيعية صامتة.

يقول راغب: "إن رسم الإنسان من أصعب أنواع الفنون لأنها ليست عملية نقل فوتوغرافية، فالفنان يحتاج لدخول النفس البشرية إلى الأعماق ليصورها ويكشف الأشياء التي قد يحاول الإنسان أن يخفيها. وأنا أعتقد أن الصعود إلى القمر أبسط بكثير من أعماق النفس البشرية".

المساهمون