ليلى الأطرش.. المثقّفة الجادّة وراء الشاشة

ليلى الأطرش.. المثقّفة الجادّة وراء الشاشة

20 أكتوبر 2021
(ليلى الأطرش، 1948 - 2021)
+ الخط -

كتبت ليلى الأطرش، التي رحلت الأحد الماضي، نصوصاً قصصية وهي لا تزال في المرحلة الإعدادية، وقد نُشرت في الصحافة الثقافية، كما وضعت رواية بعد ذلك بسنوات لكنّها لم تصدر في كتاب. تلك الانشغالات الأولى بالأدب والثقافة شكّلت عتبة أساسية لامتهان الإعلام قرابة أربعة عقود.

امتلكت الروائية الفلسطينية الأردنية (1948 - 2021) المولودة في بلدة بيت ساحور، مخزوناً معرفياً والتزاماً مهنياً واجتهاداً مستمرّاً مكّنتها من أن تجمع بين الكتابة الصحافية والعمل مذيعة أخبار ومقدّمة برامج ومحاورة لكتّاب وفنّانين، ومعدّة برامج ثقافية، بالإضافة إلى إعدادها أفلاماً تسجيلية نالت الاهتمام والجوائز أيضاً.

بعدما حازت درجتي البكالوريوس في اللغة العربية وفي القانون والدبلوم في اللغة الفرنسية، بدأت الأطرش مشوارها في الإذاعة الأردنية في منتصف السبعينيات قبل انتقالها للعمل في "تلفزيون قطر"، وسعت منذ ذلك الوقت إلى رسم صورة محدّدة في ذهن المشاهد العربي الذي أطلّت عليه إعلامية جادّة تعرف متى تبتسم ومتى تتحدّث ومتى تصمت، ومتمكّنة من اللغة العربية قلّما تخطئ أو تتلعثم، يمدّها اطلاع واسع وثقافة عميقة، ولديها أيضاً ثقة واعتداد بنفسها يلازمهما دفء وترحيب بجميع ضيوفها.

امتلكت مخزوناً معرفياً والتزاماً مهنياً واجتهاداً مستمراً

تلك صورة صاحبة رواية "وتشرق غرباً" (1988) لدى جمهورها، والتي تشير في مقابلة تلفزيونية سابقة إلى أنها وعت مبكراً بما تمنحه الصحافة الثقافية من فرصة لتقديم أفكارها ورؤاها سواء في مقالاتها التي كتبتها في صحف أردنية وعربية، أو برامجها التي حملت مقارباتها وحصيلة معارفها تجاه العديد من القضايا والظواهر، وكانت حريصة كذلك على خلق تلك الصلة الوثيقة بين الثقافة وبين الواقع، مؤمنة أن لا إبداع وفكرًا من دون اشتباك مع الحياة.

وتعترف بأنّه لا يمكنها فصل ليلى الروائية عن ليلى الإعلامية، ولا تجد أن واحدة منهما تتفوّق على الأخرى، ولا تنكر حجم الانتشار والحضور اللذين حقّقهما لها التلفزيون، وقدرتها على تطوير ما قدّمته من برامج من خلال بحث واستقصاء دائمين، خلافاً للموقف الذي يكرّسه معظم الكتّاب الذين يعملون في الصحافة حول استنزاف الأخيرة لوقتهم وجهدهم وإبداعهم.

إيمانُ الأطرش بدورها الإعلامي يمثّل جزءاً من رؤيتها الأشمل للحياة؛ إذ بيّنت في المقابلة ذاتها أنّها درست القانون كتخصّص جامعي، تحذوها رغبة في فتح النقاش حول ملف الأحوال الشخصية للمرأة العربية، ونجحت في ذلك من خلال برنامجها "مع أو ضدّ" الذي أثار العديد من القضايا الاجتماعية الإشكالية، واعتمدته أقسام إعلام في جامعات مصرية ولبنانية ضمن مقرّراتها الدراسية.

وأشارت إلى مسألة جديرة بالاهتمام تتعلّق بعدم ترفّع المشتغلين في الإعلام الثقافي عن الناس، واعتقادهم بأن مادة حديثهم تخصّ النخبة، بينما الثقافة من وجهة نظرها هي كلّ شيء في الحياة، وعلى الإعلامي أن يقرّ بوجود شروط جديدة لمهنته تتناسب مع العصر الراهن الذي يعتمد الصورة والاتصال بشكل أساسي، وليس القراءة التي تنحسر يوماً بعد يوم خارج الجمود الذي هيمن على البرامج الثقافية لزمن طويل، وأنّ رسالته تستوجب عليه بذل أقصى جهوده والتفكير بالابتكار دائماً.

على مدار أربعين عاماً، أجرت الأطرش لقاءات بارزة مع شخصيات عديدة؛ منها: نجيب محفوظ ونزار قباني وناصر الدين الأسد وبشارة الخوري (الأخطل الصغير) ومحمود درويش وسميح القاسم وعبد الله البردوني وعبد العزيز المقالح وأحمد فؤاد نجم ومصطفى أمين ومحمد عبد الوهاب وبليغ حمدي وكمال الطويل وعاصي الرحباني وأسامة أنور عكاشة وصلاح أبو سيف ومحسنة توفيق وفاتن حمامة ونور الشريف وأحمد زكي.

إلى جانب ذلك، أعدّت صاحبة رواية "لا تشبه ذاتها" (2019) وقدّمت فيلماً تسجيلياً بعنوان "اليهود المغاربة" الذي أبرزت فيه الحسّ الوطني والعروبة المتجذّرة في ثقافة ووجدان العديد من الشخصيات اليهودية في المغرب، ونالت عنه الجائزة الذهبية في "مهرجان القاهرة السينمائي"، كما حازت الجائزة الفضية في "مهرجان دول الخليج العربية" بالمنامة عن فيلمها "عرار شاعر ثائر" الذي تناولت فيه سيرة الشاعر الأردني مصطفى وهبي التل (1899 - 1949).

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون