لو أنَّ شيئاً جميلاً واحداً تبقّى

لو أنَّ شيئاً جميلاً واحداً تبقّى

08 أكتوبر 2020
حيدر أرغولان (تصوير: لطفي أوزغونادن)
+ الخط -

أربع عيون

لسنا بخير أيتها النظّارة
انظري، إنهم يحاولون كسرنا بلا توقّف
لسنا بخير يا عَينيّ الاثنتين
لم يتركوا لي روحي
ولم يتركوا لكِ زجاجكِ
لم يعد لدينا أيّ شيءٍ يُكسَر
هل يصبح الذين لا يرتدون نظّارات قساةً هكذا؟
يشدُّونكِ ويأخذونكِ منّي،
وهكذا نُسحَق أيتها النظارة،
أنتِ محطَّمة دوني، وأنا معتمٌ دونكِ
أين الإنسانية؟
إذا لم يكسرونا إلى هذه الدرجة
كنّا اشترينا لهم نظّاراتٍ واحداً واحداً
أليس كذلك يا صديقتي الزجاجية؟
كم أنتِ جميلة أمام عينيّ مرّة أُخرى
دونكِ لا طعم للبسمة ولا للنظرة
في غيابكِ يبدو القبح أسوأ في عيني،
واللكمات أكثر ظُلماً، والكلمات أكثر قسوةً في قلبي
في غيابكِ يبدو العالم فارغاً في عيني
سأعتني بكِ مثل عيني
فلم تعد باستطاعة عيني أن ترى أحداً غيركِ
وليس لديّ كلام للذين لا يروننا
لقد كسرونا كثيراً أيتها النظارة
حطّمونا وكسروا كل شيء فينا
حطّمونا ولم ينظروا إلينا بقلوبهم مرّة واحدة
إنهم يُصوِّبون أعينهم الآن على الروح، وعلى الزجاج أيضاً
لقد سقطنا من الأعين، كما سقطنا من الكلام
ولم يعد بإمكاننا أن ننكسر مرّة أخرى أيتها النظارة
ستكون نهايتنا إذا انكسرنا مرّةً أُخرى
ولن يكون باستطاعتهم أن يجدوا قطعة واحدة منّا!
آهِ، لم يتركوا لنا عيناً لتنظر أو قلباً ليرى
لو أنَّ شيئاً جميلاً واحداً قد تبقّى
لكنّا اعتنينا به، ليس بعينينا الاثنتين فقط، ولكن بأربع عيون
وكنّا سنقول إن الذي يدخل الروح يدخل الزجاج أيضاً
لكنهم أهملوا عيوننا وقلوبنا
ولم يعد للروح هوسٌ، ولا للزجاج رغبة في الرؤية
نظارتي
لنعتنِ ببعضنا البعض يا شقيقة الروح
ربما يهتمّون هم أيضاً بأنفسهم
نظّارتي
يا عينيّ الاثنتين، وعظامي
أتمنّى ألّا أكون قد كسرتكِ بهذه الكلمات
لأنكِ نحيفة للغاية، وتنكسرينَ
وينكسر أيضاً قلب الصداقة الزجاجي!


■ ■ ■


أيلول

تذهب المرأةُ، ويُقال إن هذا هو الشِّعر
تذهب المرأةُ، ويولد شاعرٌ من هذا
(أعرفُ من أي امرأةٍ صرتُ شاعراً)
إذا كان يُقال في كلّ مكان: "لقد انتهى الصيف" 
ففي كلّ مكانٍ يُقال أيضاً: "ذهبت المرأة"
وعندما تذهب المرأة من أيِّ مكان، يُقال هذا هو الشعر أيضاً
ذَهابُ المرأةِ هو انتهاء الصيف في كلّ مكان
وإذا انتهى الصيفُ، ورحلت المرأةُ، فنهايةُ هذا هو الشعر
نهاية الصيف شعرٌ، ونهاية العشق شعرٌ
إذا كانت المدينةُ تلاحقُ الصيفَ في جميع أحيائها،
يطولُ الصيفُ، ويأخذ العشاق حصّتَهم منه
المدينةُ تلاحقُ الصيفَ، والشِّعرُ يلاحقُ المرأةَ
هكذا يُذهَبُ إلى حي أيلول
وكنتُ قد ذهبتُ يوماً ما من حزيران إلى أيلول
كان أيلول متروكاً منذ الصيف، 
والشِّعر أيضاً تخلّت عنه المرأة في حزيران، بحسب الشائعة:
كلُّ الأبناء يتركونَ أمّهاتهم من أجل قصيدة!
وإذا تركَتني تلك المرأة أُصبح شاعراً
أيتها المرأة التي أنا ابنها
لا تتركيني
فالشِّعر يُقال، والصيفُ ينتهي، والمرأةُ ترحلُ

كلُّ النساء يتركنَ القصيدةَ لامرأة واحدة!


■ ■ ■


للإيجار

استأجري هذا البحر في هذا الصباح
ولنتذكّر بعضنا البعض في الأزرق
استأجري الشمسَ في هذه الظهيرة
لكي لا يدخل هذا البرود بيننا مرّةً أُخرى
استأجري الكسلَ بعد هذه الظهيرة
فلربما أُصبحُ قطّةً في ظلاله
استأجري حديقة في هذا المساء
ولتكبرَ في يدينا الورودُ والبنفسجُ والياسمين
وإذا استأجرتِ النومَ هذه الليلة، فسوف أستضيف عينيكِ فقط في حلمي
استأجري هذا الجسدَ في هذا الربيع
لقد تغبّرت كلماتي في كتاب الجسد
وفي هذا الدرس استأجري الجغرافيا
لنأخذ استراحةً مع التربة والمياه
واستأجري رحلةً في هذه الاستراحة
لنمشي إلى الصداقة بلا توقُّف
وهذه المرّة استأجري مركباً شراعيّاً
وسيذهب القلبُ أينما تأخذه الرياح
استأجري هذا الشارع في هذا الصيف 
افتحي الأبواب،
واتركي الوحدةَ وحيدةً في الغرف

لا تستأجري هذه القصيدة، وإلا سأصبح شاعركِ!


* Haydar Ergülen أحد أبرز الشعراء المعاصرين في تركيا. وُلد في مدينة إسكي شهير عام 1956. درس علم الاجتماع في جامعة أنقرة ودرّس فيها عدّة سنوات، وحالياً يدرّس فنون الشعر في جامعتي باهتشه شهير وقادر هاس. بدأ بنشر قصائده بدايةَ السبعينيات في عدّة مجلّات أدبية. وصدرت مجموعته الأولى عام 1981 بعنوان "الأسئلة التي ليس لها مقابل". من إصداراته: "أميرة الشوارع" (1990)، و"قصائد الصراط" (1991). حصل على العديد من الجوائز الشعرية، أبرزها: جائزة الشاعر جمال ثريا في 2005، وجائزة الشاعر متين ألتيوك في 2008.

** ترجمة عن التركية: أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير

المساهمون