لا يستحقّ ماركس أن نسخر منه

لا يستحقّ ماركس أن نسخر منه

16 أكتوبر 2021
نصب لرأس كارل ماركس في مدينة شيمنيتز الألمانية، للنحّات الروسي ليف كربل، 1975 (Getty)
+ الخط -

يجيء اللاجئون إلى بلجيكا، مع مثلهم الشعبي: "جاور السعيد، تسعد": بهذا الوهم: في الشمال، هناك امتياز. في الجنوب، ضعف. فلا يجدون إلّا ضعفهم وهوانهم على الأثرياء الفلمنكيين.

ففي هذا النوع من رأس المال، تكون القوّة التي تفصل بين الطبقات الاجتماعية أكبر، بسبب الوصول المستمرّ للزوّار والعاملين، وكثيرٌ منهم من ذوي المؤهّلات العالية، يبحثون عن فرص في الشركات الكبيرة.

لقد انتهى زمن الحقّ في المدينة، ذاك الذي يتحدّث عن الأبعاد التي تجعل من الممكن عيش حياة كريمة لسكّان المدن. وبالتالي انتهى زمن الحلم بمكان في العالم، ويكون مدينياً، بالنسبة لغالب اللاجئين. ذلك أن عدم الاستقرار له عنصر أساسي، يتمثّل في عدم امتلاك أبسط سبل العيش، مثل رغد المسكن.

ماذا بعدُ يمكن القيام به للتخفيف من حدة الفصل؟ أظن، وأغلب الظنّ شعرٌ، أنه ما من سبيل سوى كتابة القصائد الحديثة، ولكن بنوايا قديمة: الرثاء والهجاء!

انتهى زمن الحقّ في المدينة وحُلم اللاجئين بمسكنٍ في العالَم

ولمّا كانت هناك حاجة إلى سياسات في الشعر، لا يمكن أن تكون محلّية فحسب، بل يجب أن تكون ذات طابع فوق محلي ومستعرض، فلا بد من الشعر إذن، ليس فقط لتحسين الأماكن العامة وإمكانية الوصول إليها، في الحلم، ولكن لجميع مجالات حياة السكّان. من بين الحلول المقدّمة، الاستثمار في التعليم والنقل العام والحراك الاجتماعي والعمران، وتنظيم سوق الإسكان في المناطق التي تعاني من ضغوط أسعار الإيجارات غير المعقولة، وزيادة الإسكان الاجتماعي، وقبل كلّ شيء، مزجها في المدينة دون إنشاء أحياء معزولة.

وبهذا المعنى، عندما يعجز الاقتصاد، فإنّ الشعر يندلع ويقوم بالمهمّة، إيثارياً، فهو بطبعه شيوعي ومشاعي وفوق كلّ شيء، إيثاري بامتياز. وبهذه الطريقة، سيتشارك الناس من طبقات مختلفة السلالم ويتعاطفون.


■ ■ ■


في جميع الأحوال، لا يستحقّ كارل ماركس أن نسخر منه. كيف يمكن السخرية من اقتصادي الفقراء الأول؟ من كاتب أصحّ سيناريو للتاريخ البشري في الأزمنة الحديثة؟ كانت تصحّ السخرية لو كان الرجل نبياً مسيانياً، أو حتى ماركسياً.

أعرف: لا يفعل ذلك سوى يمينيين، نخبة الأثرياء وحثالة البشر من مُغيَّبي الوعي والضمير والإحساس بعذاب الناس.

الإمبراطوريون والإمبرياليون والرأسماليون عابدو القرش، وأتباعهم، وأتباع أتباعهم.

ماركس كان أكبر الضدّ وأكبر النقض قبالة أشلاء الحياة، وأشلاء البشر.

وها هو، بعد وفاته بـ138 سنة، يتحقّق غالب ما قاله. وها نحن، جميع ساكنة الكوكب المقهور، نخبّ جميعاً في أوحال منافي الأوطان، ومنافي المنافي، على أمل وحيد: أن نبني من تلك الأشلاء، حياةً كاملة هنا، فلا تنقص عضواً. إنّما هيهات!

الرأسمالية جعلت الكوكب خرابة. فهل أخطأ ماركس؟ انتصرت الرأسمالية، وصار هناك الكثير من الناس الذين يجدون هذا الكوكب الجديد ظالماً، مكفهرّاً، صعبةً الإقامةُ فيه، ومملّاً للغاية. فهل ماركس أخطأ؟

أمّا الفقراء، وهم سواد الكوكب الأعظم، فلا حظّ لهم ولا قانون يسندهم. كلّ هذا الظلم ونسخر من الرجل، آخر المتمّة؟ ما القصّة، أيها الشائنون؟ لا حل يجدي معكم غيره: الكفاح المسلّح!


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية

المساهمون