استمع إلى الملخص
- دور النشر مثل "دار الآداب" و"دار الأهلية" عززت إصداراتها من الأدب الفلسطيني، ونشرت أعمال كُتّاب أسرى، مما يعكس التزامها بدعم الأدب الفلسطيني.
- الأحداث السياسية، مثل الحرب على غزة، زادت الاهتمام بالكتب التي تتناول الصراع العربي الإسرائيلي، مما يعكس وعيًا متزايدًا بأهمية فهم القضايا الإقليمية.
الزلزال الذي أصاب شرق المتوسط في فجر السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وشعر العالم كله بارتداداته، ولا يزال يشعر بها حتى اليوم، لم يستثنِ مجالًا من مجالات الحياة العامة؛ عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأكاديميًا، وكذلك ثقافيًا. كان لافتًا في المجال الأخير أن نسمع ناشرين وبائعي كتب وقراء يقولون إن الإقبال على شراء الكتاب المكتوب باللغة العربية وقراءته قد ازداد خلال فترة الحرب الإسرائيلية على غزة، خصوصًا بعدما كان الكتاب المُترجَم هو المُفضَّل لدى غالبية القراء.
لا يتعلق ذلك برد فعل عفوي من الدعم الغربي الرسمي لكيان الاحتلال الإسرائيلي، تُرجِم بنفور من كل ما يأتينا من تلك البلاد، بل برغبة في معرفة الذات أكثر والاطلاع على تاريخ بلدان المنطقة، خاصة من شريحة الشباب التي أبعدها نمط حياتها الرقمي المُعولَم عمَّا عرفته واختبرته الأجيال الأكبر سنًا.
لا يجري الحديث هنا عن الإقبال على كتب سياسية أو تاريخية فقط، بل عن الروايات بالدرجة الأولى، والروايات الفلسطينية بشكل خاص؛ سواء تلك الصادرة حديثًا أو التي كتبها قبل عقود من أصبحوا من أعلام الأدب الفلسطيني.
جائزة ومنع وكاتب أسير
لاحظت رنا إدريس، مديرة دار "الآداب" في بيروت، من مشاركات الدار في مختلف معارض الكتاب العربية، زيادة إقبال القراء على الروايات العربية على نحوٍ ملحوظ بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، على حساب نظيراتها المُترجَمة، ما شجَّع الدار أكثر على قبول وإصدار رواياتٍ عربية، وهي التي تحرص على الموازنة في إصداراتها السنوية بين النوعين.
إقبال على الرواية الفلسطينية والكتب التي تتحدَّث عن فلسطين
لكن قد تكون لهذا الإقبال أسبابٌ خاصة، تتعلق باستقطاب الدار التي نشرت أعمال جبرا إبراهيم جبرا للكُتَّاب الفلسطينيين، ومن ضمنهم كاتبان أسيران يُهرِّبان ما يكتبان من داخل الزنزانة ليجري العمل على نقله عبر عدة مراحل من قُصاصات الورق إلى شاشة الكمبيوتر، قبل أن يُنشَر ويُقرأ على نطاق واسع.
نتحدث هنا عن ناصر أبو سرور، الذي تُرجِم كتابه "حكاية جدار" إلى اللغة الإنكليزية العام الماضي، وباسم خندقجي، الذي فازت روايته "قناع بلون السماء" بجائزة "بوكر" العربية في دورتها الأخيرة العام الماضي (وستُترجم بالتالي إلى الإنكليزية أيضًا)، وصدرت له قبل أشهر روايته الأحدث "سادن المحرقة".
كما أنعش حرمان الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي من التكريم مبيعات الرواية التي صدرت في العام 2017، وكانت ستحظى به في "معرض فرانكفورت للكتاب"، بعد وصول روايتها "تفصيل ثانوي" إلى القائمة الطويلة لجائزة "بوكر" الدولية سنة 2021، الخاصة بالروايات المُترجمة إلى اللغة الإنكليزية. تتناول الرواية حادثة حقيقية وقعت في عام 1949، حيث اغتصب جنودٌ من جيش الاحتلال الإسرائيلي فتاة فلسطينية صغيرة السن وقتلوها، بعدما قتلوا أفراد عائلتها في صحراء النقب.
زيادة مبيعات
تمنح دار "الأهليَّة" الأولويَّة في إصداراتها للأدب الفلسطيني، فبالإضافة إلى كتب الروائيين والشعراء الفلسطينيين الأوائل الراحلين، تدعم الدار التي تتَّخذ من العاصمة الأردنيَّة عمَّان مقرَّاً لها، الأدباء الشباب، وتُصدِر كتبهم الأولى.
رغبة في معرفة الذات والاطلاع على تاريخ بلدان المنطقة
من الكتب المهمَّة التي أصدرتها مؤخراً، في ما يتعلَّق بتوثيق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزَّة، كتاب "وقت مُستقطَع للنجاة"، الذي سجَّل فيه وزير الثقافة الفلسطينية السابق عاطف أبو سيف يوميَّات الحرب، فقد بدأت بينما كان في زيارةٍ إلى أهله في غزَّة.
يؤكِّد حيدر عاصي، مدير فرع الدار في بيروت، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحرب على غزَّة، ومن بعدها الحرب على لبنان، أعادت الزخم إلى القراءات المتعلِّقة بمسألة الصراع العربي الإسرائيلي، وألقت الضوء من جديد على الكتب التي تناولته، وعلى أعمال الكُتَّاب الفلسطينيين بشكل خاصّ، ما أدَّى إلى زيادة مبيعاتها على نحوٍ واضح".
ويلفت عاصي إلى أنَّه "تأتي في مقدِّمة هذه الأعمال كتب الشهيد غسان كنفاني في مختلف مجالاتها، من رواية وقصة ودراسات، ودواوين الشاعر محمود درويش"، ويشير إلى أنَّ زيادة الطلب على هذه الكتب لا يقتصر على لبنان أو البلدان العربية فقط، حيث "زاد كذلك الشحن الخارجي لتلبية طلب الجاليات العربية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم".
من جانب آخر، يوضح عاصي أنَّ "ترجمات الكتب التي تتناول مسألة الصراع زادت إلى اللغة العربية، وهناك اهتمام كبير بها في الدار يقع ضمن خانة اعرف عدوَّك".
من جهتها، تُعَدُّ دار "نوفل ـ هاشيت أنطوان" واحدةً من دور النشر التي توازن في إصدارتها بين الكتب العربية والمُترجَمة، ويمكن بالتالي رصد مزاج القارئ العربي من خلال ما يقتنيه من كتبها.
في حديثها مع "العربي الجديد"، تلفت رنا حايك، مديرة قسم نشر الكتب في الدار، إلى أنَّ "المقارنة بعد السابع من أكتوبر/ (تشرين الأول 2023) ليست بين الكتب العربية وتلك المترجمة، بل ما هو واضحٌ للغاية أنَّ هناك إقبالاً على كلٍّ من الرواية الفلسطينية والكتب التي تتحدَّث عن فلسطين، سواء كانت مكتوبة باللغة العربية أم مُترجَمةً إليها".
وتُعطي حايك مثالاً على ذلك كتاب المؤرِّخ الإسرائيلي إيلان بابيه "أكبر سجن على الأرض ـ سرديَّة جديدة لتاريخ الأراضي المحتلَّة" (2020)، الذي يعرض وثائق يُكشف عنها للمرة الأولى تتعلَّق بحرب عام 1967، التي احتَّلت إسرائيل من خلالها كامل الأرض الفلسطينية، بالإضافة إلى الجولان السوري وشبه جزيرة سيناء المصرية.
بدوره، يؤكِّد محمَّد سلطان، المسؤول عن قسم الكتب العربية في مكتبة أنطوان التابعة لدار "نوفل ـ هاشيت أنطوان"، والتي تمتلك عدَّة فروع في لبنان، ما قالته مديرة الدار رنا حايك، حيث يشير في حديثه مع "العربي الجديد" إلى إنَّه "منذ أواخر سنة 2023، بدأ يُلاحَظ انقلابٌ في توجُّهات القارئ نحو الرواية السياسيَّة والكتب السياسيَّة، التي تتناول فلسطين بشكل خاص"، مشيراً إلى أنَّ الإقبال على "الكتب المتعلِّقة بفلسطين، أو التي كتبها كُتَّاب فلسطينيون، زاد بنسبة تراوح بين 50% و70%، وتحديداً كتب غسان كنفاني".
فلسطين في الكتب والصحف
على صعيد القراء، تُبيِّن هدى مرمر، القارئة والمشرفة على نادي "بوكهوليكس" للقراءة، تأثير السابع من أكتوبر وما تلاه على موضوعات قراءتها وطريقة اختيارها. تقول لـ"العربي الجديد": "صرت أقرأ أكثر عن فلسطين، مع التفضيل أن تكون الأقلام فلسطينية، بما فيها الأقلام الشابة التي أتابع إصداراتها الجديدة، وحاولت أن أسلِّط الضوء عليها من خلال نادي القراءة. أي إنَّ أغلب قراءاتي كانت باللغة العربية. أما في اللغة الإنكليزية، فتشجَّعتُ أكثر على قراءة الكُتَّاب الذين عبَّروا عن مواقف مناهضة للصهيونية، وأخذوا مواقف منها أضرَّت بعملهم أيضاً، أي أنَّهم كانوا ناشطين حقيقيين، حتى لو تناولت كتبهم أو رواياتهم موضوعاً بعيداً عن فلسطين، بينما امتنعتُ عن قراءة كتب الكُتَّاب ذوي النزعة الصهيونية، حتى لو توفَّرت في مكتبتي".
أما عن نوعية الكتب التي قرأتها، تتابع مرمر: "كانت أغلب قراءاتي روائية، لكن بالإضافة إلى الروايات، قرأتُ قليلاً في التاريخ والسياسة، وكانت قراءاتي باللغتين العربية والإنكليزية، خاصَّةً مع المبادرات التي قام بها والكتب التي نشرها بعض الناشرين الغربيين اليساريين، مثل Haymarket وVerso Books".
أما أمجد إبراهيم، فيشير إلى أنَّ خريطة القراءة الأدبية عنده "لم تتغيَّر كثيراً، وإن تسبَّبت الحرب في جعلي أقرأ روايات ومجموعات قصصية كنت قد أجَّلتها لغسان كنفاني وإميل حبيبي. لكن ما تغيَّر فعلياً هو زيادة الاهتمام بقراءة الصحف، وما تحتويه من تقارير من داخل غزة، وتحليلات وآراء لباحثين وخبراء عرب وأجانب، حتى بات هذا النوع من القراءة يستهلك ساعات عدَّة من اليوم، على حساب القراءة الأدبية".
ترجمة المعرفة إلى حراك
يمكن القول إن الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة تُترجم إحياءً لسرديته، من خلال ما يُدوَّن عنها اليوم، وما كُتب سابقًا عن نكبة هذا الشعب وتهجيره وسرقة أرضه. لكن يبقى القول إن هذه المعرفة المُبشِّرة، والتي يُقبِل على توسيعها القراء العرب، والشباب من بينهم، وتنطوي على وعيٍ من الشريحة التي يجب أن تتحلى به؛ وهي شريحة طلاب الجامعات والفاعلين في أعمالهم على اختلافها، يجب أن تُترجم حراكًا فاعلًا على أرض الواقع، خاصةً إذا ما قارنَّا غياب الفعل لدى هذه الشريحة بما قام به أقرانها في الغرب، حيث عمَّت التظاهرات الجامعات والمدن الأوروبية والأميركية. وإن كان لهذا سببٌ لا يمكن أن يُقبَل كمبرر، يتمثل كما هو معروف في ضيق هامش الحرية، أو انعدامه، في البلدان العربية، التي ينشغل كلٌّ منها بمشكلاته الخاصة الكثيرة.
* كاتب من سورية