كمالا إبراهيم إسحاق: خارج لوحة الاعتراف الفرنسي

كمالا إبراهيم إسحاق: خارج لوحة الاعتراف الفرنسي

02 نوفمبر 2020
كمالا إبراهيم إسحاق (تـ: محمد نور الدين)
+ الخط -

الرسم، الجسد، العائلة، النسوية، الصوفية والروحانيات، التقاليد، السودان ومرور الوقت، هذه بعض ملامح أشبه بمداخل إلى الفن الذي تقدمه الفنانة السودانية كمالا إبراهيم إسحاق (1939) منذ عقود. مؤخراً، تداولت وسائل الإعلام بسبب رفضها وسام الجمهورية الفرنسية للآداب، كرد فعل وموقف على خلفية الرسوم المسيئة للنبي محمد وتداعياتها.

كان من المقرر أن تتسلم إسحاق الوسام اليوم، الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر، لكنها أبلغت السفارة الفرنسية في الخرطوم، حيث تعيش، أنها لن تفعل. سبق لإسحاق أن كرّمت بعديد الجوائز والأوسمة العالمية، ففي العام الماضي مُنحت "جائزة الأمير كلاوس" الهولندية، ولا شك أن الالتفات إلى تجربتها كامرأة فنانة سودانية (كانت من أوائل من درسن الفن في الخرطوم قبل أن تتابع تعليمها في إيطاليا ثم لندن) ارتبط كذلك بأحداث الثورة السودانية التي لفتت الأنظار إلى الثقافة والفنون في البلاد

عاشت إسحاق في لندن في الستينيات، وعادت راغبة في تعليم الفن وممارسته في بلادها عام 1971، وهناك التقت بالفنانة نايلة الطيب والفنان محمد حميد شداد وأسّست جماعة "البلوريون" (كريستاليون) التي تقوم على موقف جمالي مفاهيمي يسعى إلى شكل فني جديد يقف في الجهة المقابلة لـ"جماعة الخرطوم" الفنية ذات التوجه التقليدي من حيث ذكورية الموضوع ومن حيث المعالجة الفنية للزمان والمكان. أطلق "البلوريون" المانيفستو الخاص بهم عام 1978 وضمنه قولتهم: "الكون مشروع بلورة شفافة بلا حجاب". 

دائماً ثمة شيء غير متوقّع يحدث في بقعة ما من أعمالها الفنية

اختارت الجماعة الكريستال لأنه الأكثر شفافية، لأن لا عنصر فيه يحجب عنصراً آخر، فلا انتقائية لما يظهر وما لا يظهر فيه. الكريستال يكشف كل ما يقف خلفه، وانطلاقا من رمزيته قال الكريستاليون إنهم يريدون لغة وشعراً وحياة جديدة وجماليات نقية. 

تستمدّ أعمال كمالا إبراهيم إسحاق معظم ألوانها من الطين والتراب والطبيعة السودانية في حالة من الشحوب، وفيها حضور كبير للنساء في تجمّعاتهنّ، أو ضمن الحالات الطقسية مثل حفلات الزار وطقوس طرد الشياطين الشعبية. هنا، تستعير الفنانة تفاصيل من الأيقونات، لكنها بدلاً من أن تفردها لشخصية واحدة، تحشد فيها الوجوه، كأننا أمام أيقونة/مرآة ينعكس فيها الوجه إلى ما لانهاية، كلها وجوه نساء وكلهن في مكان ضيق ومساحة محددة بزوايا حادة، إنهن نساء في حالة من الخوف الجماعي يمارسن طقوسهنّ العريقة للخروج من مأزق جسديّ أو نفسيّ، وتصوّرهن كمالا في عدة لوحات نتابع من خلالها كيف يجري إنهاك الجسد مراراً وتكراراً من لوحة إلى أخرى إلى أن تطير الوجوه وحدها متفرقة في الفراغ. 

في مرحلة لاحقة بدأت إسحاق بالانسحاب من مجموعات النساء وبدأت ترسم المرأة في الطبيعة بالأخضر القوي والكثيف بين نباتات أفريقية أو ضمن جمهرة من الأشجار، لكن الجذوع نفسها سيكون لها وجوه بشرية. دائماً هناك ما هو سحري وخرافي ومخيف ومقلق في أجواء لوحاتها، دائماً ثمة شيء غير متوقع يحدث في بقعة ما من العمل الفني. 

المساهمون