كليمُن روسّيه.. تنقّل مبكّر بين المأساة والفرح

كليمُن روسّيه.. تنقّل مبكّر بين المأساة والفرح

20 أكتوبر 2021
كليمُن روسّيه في برشلونة، 2009
+ الخط -

عند رحيل كليمُن روسّيه في آذار/ مارس من عام 2018، فقدت الساحة الفلسفية الفرنسية واحداً من أكثر أسمائها اشتغالاً على الهامش وحصولاً على الاعتراف. وإن كان خبر رحيله قد أزال قليلاً من حيف الاعتراف به، حيث اكتشفه جمهور أوسع من قرّائه القلائل، فإن رؤيته إلى الفلسفة، ومن ورائها إلى الوجود، ما تزال أقلّوية الحضور حتى اليوم في المراجع والنقاشات الفكرية في بلد فوكو ودولوز.

ليس المقصود بهامشية كليمُن روسّيه تناوله مواضيعَ من خارج المتن الفلسفي المألوف؛ فهو، في هذا، فيلسوفٌ كلاسيكيّ إن صحّ التعبير، حيث بقيت مسائل الواقع وطبيعته، ومعنى الوجود، والسعادة، والفرح، والمأساة، مسائله المفضّلة، وهي جميعاً قضايا لطالما جرى التوقّف عندها في تاريخ الفلسفة، الحديث منه والقديم.

المقصود بذلك يتعلّق بمصادر الفيلسوف الفرنسي، والتي لم تحِدْ طيلة مسيرته عن اسمَينْ ألمانيين: آرثر شوبنهاور وفريدريك نيتشه. وإن كان الأخير كثيف الحضور في المدوّنات الفلسفية الفرنسية اليوم، فإن شوبنهاور ــ الذي يُعَدّ روسّيه من "تابعيه" النادرين في فرنسا اليوم ــ يبدو مهملاً أو حتى "مُتَجَاوَزاً"، وكأنّ "خلطته" الفلسفية الأخلاقية ـ الميتافيزيقية تنتمي إلى عالمٍ مضى ولم يعد يعنينا بشيء.

مع نشر كتاب "صباحات الفكر"، الصادر قبل أيام لدى منشورات "أونكر مارين" في باريس، يصبح قارئ كليمُن روسّيه على بيّنة أكثر من انتمائه العميق إلى النظرة الشوبنهاورية إلى العالَم والفلسفة، حيث يمثّل النصّ وثيقة مبكّرة عن كتاباته، وهو الذي كُتب في وقتٍ لم يكن الشاب روسّيه قد تجاوز الحادية والعشرين من عمره بعد.

الصورة
غلاف

العمل الذي يُبدي أيضاً اهتمام صاحب "اللامرئيّ" منذ شبابه بالمسائل نفسها التي ستشغله حتى رحيله، يطرح في الوقت نفسه السؤال الذي كان محور أعمال روسّيه: ما هو مصدر هذا الفرح الذي نُبديه حين نعيش الواقع المعروف، رغم ذلك، بمأساويته وسوداويته؟ أو: ما الذي يدفعنا، رغم التشاؤم والخوف، إلى الذهاب أبعد من التشاؤم والخوف، لنحبّ ونعيش ونُصادق ونحلم ونكتب ونبني عائلات ومشاريع وأوطاناً؟

في محاولة للإجابة، يقترح المفكّر، الشاب حين كتابة سطوره، قراءات في اشتغالات معلِّمَيْه، مستنداً بشكل أساسي، في أطروحته، على إبداعية العيش والغريزة من ناحية، وهو هنا يقترب من رؤية هنري برغسون الحيوية، كما يستند، من ناحية أخرى، على مركزيّة الأمل في الكينونة، وهو أملٌ متجذّر عنده في فهم لمأساوية الوجود، وليس أملاً ليبرالياً في بناء مستقبل أفضل كما هو الحال عند الفيلسوف الأميركي ريتشارد رورتي، على سبيل المثال.

المساهمون