كليات الفنون الجميلة في فلسطين.. غياب الاستديوهات الجماعية

12 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 11:44 (توقيت القدس)
معرض فني في مستشفى بيت جالا بتنظيم من جامعة دار الكلمة، 2018 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه الأكاديميات الفنية في فلسطين تحديات تتعلق بجودة التعليم وفعاليته، مع نقص في مختبرات البحث والإنتاج الفني، مما يخلق فجوة بين التعليم النظري ومتطلبات سوق الفن.
- تحتاج الأكاديميات إلى تحول جذري في فلسفتها التعليمية، بما في ذلك إعادة المراسم والمختبرات كمراكز للإنتاج، ومشاركة الأكاديميين في المعارض، وإشراك نقاد وفنانين مستقلين لتطوير تجربة فنية تستجيب للسياق الفلسطيني.
- ظهرت تجارب فنية مستقلة في السبعينيات والثمانينيات، مثل "غاليري 79"، ويمكن للأكاديميات تبني استراتيجيات تضامن مع دول الجنوب لتعزيز مشروع ثقافي تحرري.

هناك ثماني أكاديميات فنية تتوزّع على المدن الفلسطينية، وينتسب إليها في السنة الواحدة أكثر من ألفي طالبة وطالب، قد لا ينخرط منهم سوى طالب أو طالبين في الممارسة الإبداعية بعد تخرّجه، وهو ما يثير التساؤل حول طبيعة التكوين الأكاديمي وعدم تبني رؤية واضحة لوظائف الفن ومواكبتها للأساليب والتجارب المعاصرة.

إلى جانب جامعة النجاح، افتتحت خلال العقود الثلاثة الماضية كليات فنون جميلة وتطبيقية في جامعات دار الكلمة وجامعة فلسطين الأهلية بمدينة بيت لحم، وجامعة فلسطين التقنية – خضوري في طولكرم، وجامعة بيرزيت، وجامعة بوليتكنك في مدينة الخليل، وجامعة القدس- أبو ديس، وكلية العلوم التربوية في الطيرة، لكن معظم هذه الكليات تُغيّب مختبرات البحث والإنتاج الفني، التي تبدو أنها اختفت تقريباً من المشهد الفلسطيني اليوم.

هذا التأسيس المتأخّر للجامعات، جعلها تسعى إلى البحث عن التنافس في ما بينها لاستقطاب أعداد أكبر من الطلبة، على حساب جودة التعليم، الذي تسبّب بفجوة واضحة بين ما يُدرَس نظرياً وبين متطلبات الواقع العملي لسوق الفن.

تعليم بلا إنتاج

تبدو الأكاديميات الفنية في فلسطين كأنها تغرد خارج السرب، إذ لم تنجح في بلورة بيئة حيوية فاعلة وقادرة على إحداث فرق جوهري في بنيتها الفنية خارج قاعات التدريس. ورغم أن تأسيس أول كلية للفنون الجميلة في الضفة الغربية، كان عام 1981 في جامعة النجاح بمدينة نابلس، إلّا أن النموذج التعليمي المعتمد، الذي اتبعته كليات أُنشئت لاحقاً لم يتمكّن من ربط الفن بالواقع، خلافاً لما عرفه الفن الفلسطيني، قبل إنشاء هذه الجامعات، عبر انبثاقه عن مؤسّسات وطنية تبنّت خطاباً تحرراً.

فجوة واضحة بين ما يُدرَس نظرياً وبين متطلبات سوق الفن

لا يمكن للأكاديميات الفنية في فلسطين أن تخرج من مأزقها البنيوي دون تحول جذري في فلسفتها التعليمية، يُعيد للمراسم والمختبرات مكانتها بوصفها فضاءات إنتاج واكتشاف، إضافة لدور الطواقم الأكاديمية في المشاركة بالمعارض الجماعية والسنوية داخل الجامعة وخارجها، ومع طلبتهم من أجل تشجيع الإنتاج.

وتشكل إعادة فتح المراسم في مناطق مختلفة، بوصفها مختبرات تجريب ضروري، المدخل الأول نحو تطوير تجربة فنية عضوية تستجيب لواقع متحوّل، وتنهل من السياق السياسي والاجتماعي والتقني في فلسطين. فالفن المعاصر لا يمكن فصله عن الحدث العام، وتحولات الوسائط، وتوسع التجربة البصرية خارج الإطار التقليدي، ما يحتّم إعادة النظر في المناهج، وفي تركيبتها الأكاديمية ذاتها، عبر إشراك فاعلين حقيقيين في الحقل الفني من نقاد، وفنانين ممارسين، وقيمين مستقلين. وعلى الأكاديميات الفنية العمل لتأسيس لقاءات سنوية بين طلابها من مختلف الجامعات، على شكل ورش متجوّلة، ومعارض متنقلة، ومراسم مفتوحة، تعيد تشكيل الجغرافيا الفنية على أسس أفقية وغير سلطوية، وتنتقل الأكاديميات من موقع التلقين إلى موقع المساهمة في إنتاج مجتمع بصري ناقد ومعاصر.

المراسم الأولى

في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ظهرت مجموعة المراسم المستقلة والتجارب الجماعية خارج الأطر الأكاديمية والتعليمية، وكانت على مسافة قريبة من الجمهور ضمن الحراك الثقافي المشتبك مع السياسة خلال تلك المرحلة، واستطاعت أن تُحدث تغييراً، خاصة أن الفن والثقافة شكّلا آنذاك جزءاً من حياة الناس اليومية ونقاشاتهم في الفضاء العام.

ضرورة إشراك نقاد وفنانين وقيّمين مستقلين في العملية التعليمية

وبعد تأسيس منظمة التحرير لبرنامج الفنون، وانطلاق رابطة التشكيليين الفلسطينيين فرع الاتحاد العام في الضفة الغربية وقطاع غزة 1973، مهّدت تلك الفترة للبحث عن بدائل لإنتاج الفن وتعليمه بطريقة غير تقليدية، وكان من أهم مبادراتها: "غاليري 79" الذي تأسس ليكون مشروعاً مستقلاً يدعو للإنتاج ومواكبة الواقع الفلسطيني واستقطاب فئة الشباب، في حين برز غاليري زرياب في أواسط ثمانينيات القرن الماضي مرسماً جامعاً للفنانين، والذي تحول إلى مطعم ومقهى منذ التسعينيات، إلى جانب بعض المؤسسات الأخرى التي مزجت بين تعليم الفنون والحرف المختلفة مع المسرح، خاصة في مدينة القدس، مثل مسرح الحكواتي.

التضامن مع الجنوب

يمكن للأكاديميات الفلسطينية تبني استراتيجية التضامن مع دول الجنوب ضرورةً لبناء مشروع ثقافي تحرّري؛ تجارب مثل حركة "نحو التجريب والإبداع" للفنانين؛ سليمان منصور، ونبيل عناني، وفيرا تماري، وتيسير بركات، التي لجأت منذ أواخر الثمانينيات إلى استخدام مواد محلية كالتربة والقش والجلد، وبناء خطاب بصري يؤكد على الانتماء والمقاومة من داخل السياق الفلسطيني ذاته.

الخطاب الفني الفلسطيني اليوم، في ظل أزمة الأكاديميات وفقدان الصوت النقدي، يحتاج أن يستلهم هذه التجارب، ويجري تحفيز المختبرات العملية التي تستخدم موادّ محلية وتشارك المجتمع المحلي، وتدمج بين الفن والسياسة والتجريب، لتعزيز خط إنتاج معرفي بصري يواجه تداخل التحديات الأكاديمية والسياسية والاجتماعية.

من الجهة الأخرى، هناك رؤية فنية سبقت الاحتلال بعقود، فالحركة الصهيونية أسّست أول أكاديمية فنية في القدس، وهي "أكاديمية بتسلئيل للفنون والتصميم" عام 1906، من أجل ترسيخ خطابها الاستعماري عبر أدوات الثقافة البصرية.

المساهمون