كاتب من العالم: مع باولا كاريدي

كاتب من العالم: مع باولا كاريدي

03 يوليو 2021
(باولا كاريدي)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة حول مشاغله وما يود مشاطرته مع قرّائه. "لم يكن التاريخ الإيطالي محترماً وفاضِلاً على الدوام. لقد تعرّضنا للاحتلال، وقمنا باحتلال غيرنا، وكنّا مستعمِرين وأصبحنا تابعين"، تقول الكاتبة الإيطالية لـ "العربي الجديد".

 

■ كيف تقدّمين المشهد الأدبي والثقافي في بلدكِ لقارئ لا يعرفه؟

- أرى أن المشهد الأدبي لدينا يمر بمرحلة تحوّل، أي أن التمثيل المثالي لبلادي هو أنها تنوسُ بين النظرة الإقليمية للأدب، والخصوصية المثيرة للاهتمام من خلال النهج الثقافي المختلف. أشير هنا إلى كتابات متأثّرة بالحوار الأدبي العابر للأوطان. وأظنّ أن وجود ونشاطات النساء الكاتبات مهم للغاية في الرّبط بين الأدب و"الحياة المعاصرة".

 

■ كيف تقدّمين عملك لقارئ جديد، وبأي كتاب لك تنصحينه أن يبدأ؟

- تركّزَ عملي حول المشهد السياسي والثقافي في المنطقة العربية بفضل الفترة الطويلة التي قضيتها من حياتي في القاهرة والقدس، والتي بلغت اثني عشر عاماً. وقد حاولت ــ بوصفي صحافية ومؤرّخة ــ تصوير الحياة العادية للناس والمشهد السياسي أيضاً للقرّاء الإيطاليين. تمثّل هدفي الأول في كسرِ الصورة النمطيّة الثابتة عن العرب. أقترحُ على القارئ البدء من كتابي "عربٌ لا نراهم" (صدرت ترجمته العربية في القاهرة عام 2011) ثم التعمّق في القراءة حول محاولة "تغييب" القدس والمقدسيين.

 

■ ما السؤال الذي يشغلكِ هذه الأيام؟

- القضايا نفسها. مشكلة التمثيل، إذ لا أزال أتساءلُ حول إعادة بناء السّرديات المُتعلّقة بالتاريخ على طول البحر المتوسط. أركّزُ في أعمالي على المدنِ وسكّانِها، باعتبارها "المشهدَ" الذي يدلُّ على التحوّلات الأخيرة. أمّا هاجسي اليوم على الصعيد البحثي، فهو إضفاء المعنى السياسيّ الجديد على الفضاءات العامة الحَضريّة.

تركَّز عملي على المشهد السياسي والثقافي في العالم العربي
 

■ ما أكثر ما تحبّينه في الثقافة التي تنتمين إليها وما هو أكثر ما تتمنّين تغييره فيها؟

- أعشقُ التعدديّة، فنحنُ بوصفنا إيطاليين، ننتمي إلى تاريخٍ معقد للغاية، ولم يكن هذا التاريخ محترماً وفاضِلاً على الدوام. لقد تعرّضنا للاحتلال، وقمنا باحتلال غيرنا، وكنّا مستعمِرين وأصبحنا تابعين، ومرّتْ علينا أيامٌ أخرى كمهاجرين وكرقيق. أمّا أكثر ما يؤلمني فينا كإيطاليين، فهو الافتقار إلى الشجاعة الحقيقية والمساءلة. لطالما اعتدنا إخفاء أنفسنا وراءَ حُجّةِ أن وضعَنا "عصيٌّ على الإصلاح"، وخاصة نحنُ في جنوبِ إيطاليا: التغيير مستحيلٌ لأنّنا معطوبون بالفطرة. وهذا هراءٌ بالطبع. يمكنني اختصارُ كلِّ هذا بعبارةٍ واحدة: انعدام المسؤولية.

 

■ لو قُيّض لكِ البدء من جديد، أي مسار كنت ستختارين؟

- كنت سأختار العمل في السلك الدبلوماسي على ما أعتقد. لقد ظننتُ، بعد حصولي على الدكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية، أنّني لا أتمتع بالخصائص اللازمة لأكون سفيرة. لا أرغبُ بالطبع في أن أتحوّلَ إلى آلة بيروقراطية سياسية، وأن أفقد حريتي في الحكم على الأشياء، فحرّيتي الفكرية أثمن ما لديّ. أما اليوم، فأفتقدُ إمكانية أن أكون وسيطةً لأتمكّن من التفاوض.

 

■ ما هو التغيير الذي تنتظرين أو تريدين في العالم؟

- الاحترام أولاً وأخيراً. احترام البشر وغير البشر، احترام الإنسان، والطبيعة، والكوكب. احترام كرامة كلّ كائن بشري. احترام الزمن والفصول والجهد والعمل والحياة الشخصية وحقوق الإنسان.

كان هدفي كسر الصورة النمطيّة الثابتة حول العرب
 

■ شخصية من الماضي تودّين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟ 

- القدّيس فرانسيس الأسيزي. مار فرانسيس. لديّ الكثير من الأسئلة له. ولكنني أرغب قبل كلّ شيء في رؤيته يتحرّكُ ويتحدَّثُ ويمشي ويذهبُ في رحلاتِهِ، ويُعاني ويُحِبّ. 

الصورة
باولا كاريدي - القسم الثقافي

■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟

البروباغندا: السرديّة التي تُطأطِئُ رأسَها للسلطةِ والحُكمِ الاستبداديّ.

 

■ ما هي قضيتك وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟

- الحرّية دون أدنى شك. تتمثّل اهتماماتي الأساسيّة في الحريّة عموماً وفي الحريّات الشخصية، وحقوق الإنسان، وحقوق العمّال، والحالة الحَرِجَة التي وَصَلَ إليها المناخ.

 

■ "الأدب العالمي يكتبه المترجمون"، إلى أي درجة توافقين على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟

- لا أدري ما إذا كنتُ أوافقُ تماماً على هذا الرأي. هل يمكِنُنا أصلاً الحديث عن "أدبٍ عالميّ"؟ أعتقدُ أنَّ الأدبَ عالميٌّ بطبيعتِه.

 

■ كيف تصفين علاقتك مع اللغة التي تكتبين بها؟

- علاقةٌ جيدةٌ، فأنا لستُ من الكُتّابِ الذين ينخرطونَ في معارِكَ مُضنيةٍ مع الكلماتِ والأسلوبِ واللغة. يمكنني القولُ إنني كاتبةٌ ركيكةٌ نوعاً ما، ربما لأنّني صحافيّة. ولكنّني أعتقدُ بصرفِ النظر عن هذا أنني قد تشرّبتُ موقفاً "علمانياً" بعيداً عن تبجيلِ اللغة الإيطالية كمادّة، أو كمُكوّنٍ صاغَهُ الاستعمالُ اليوميُّ ومراحل التاريخ والتغييرات الكثيرة.

البروباغندا: السرديّة التي تُطأطِئُ رأسَها للسلطةِ

 

■ كاتب منسي من لغتك تودّين أن يقرأه العالم؟ 

- لن أسمّي كاتباً أو شاعراً إيطالياً. سأتحدّثُ عن المؤرّخِ روزاريو فاليري. أعتقد أنه الكاتب الذي تعلّمتُ من أعماله كيف يمكننا كمثقّفين قراءة الوثائقِ والفنونِ والذكرياتِ وتَخَيُّلِ الواقعِ المُعقّد. وأرى أن عمله ما يزال محورياً في ثورة نابولي ولا تزال شخصية مازانييلو تمثّل نموذجاً حقيقياً بالنسبة إليّ.

 

■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحبين أن تكون صورتك عند قرّائك؟

- إنسانةٌ صادقةٌ وفضوليّةٌ ومنفتِحة وحرّة، وفي الوقت نفسه مذنبةٌ ومتحفّزةٌ وغاضبة.

 

■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟

- أظن أن أول سؤال يخطر ببالِ القارئ العربي: لماذا أقرأ عن عالمي وثقافتي بقلم امرأةٍ إيطالية بيضاء؟ أحد الأسباب المعقولة برأيي هي محاولة فهم كيفية بناء جسور المعرفة. ولكنّ هذا السبب الأول والأوضح. لقد كتبتُ عن الحقائقِ التي عشتُها، انطلاقاً من ثقافتي وتعليمي، وقد تغيّرتُ بفضل الأماكن التي عشت فيها، رغم كوني غير عربيةٍ ولن أكونَ كذلك، ولن أُمَوّهَ نفسي على الإطلاق.

 

بطاقة

Paola Caridi صحافية ومؤرّخة إيطالية، مولودة عام 1961 في روما. درست الآداب والفلسفة في "جامعة روما" وحازت دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية من "جامعة فلورنسا". صدر لها لدى دار النشر الإيطالية العريقة "فيلترينيللي" عدّة كتب، منها "عربٌ لا نراهم: أولئك الذين لا نعرفهم، أولئك الذين ليسوا إرهابيين" (2007) و"حركة حماس: من المقاومة إلى الحكم" (2009) و"القدس دون إله: صورة لمدينة قاسية" (2013، الغلاف).

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون