كاتب من العالم: بيير جوريس

كاتب من العالم: بيير جوريس

12 يناير 2021
بيير جوريس
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة سريعة عن انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه. "كلّ كتابة هي كتابةٌ سياسية، لذلك تمثّل الكتابة قضيّةً بذاتها وترتبط بكلّ شيء يتجاوزها"، يقول الشاعر الأميركي - اللوكسمبورغي لـ"العربي الجديد".


■ كيف تقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟
- مشهد أدبيّ شاسع وغنيّ ونابض بالحياة، خصوصاً من ناحية التجريب والاكتشاف، ولكنّ ثقافتنا لا تزال ثقافة خاصّة بالذكور البيض الأنكلو- ساكسونيين. لا أشعر، لحسن الحظ، بأنني مقيّد في بلد واحد، بل أعشق التجوال الدائم كمسافر أو كقارئ أو مترجم للشعر.


■ كيف تقدّم عملك لقارئ جديد، وبأيّ كتاب لك تنصحه أن يبدأ؟
- تصعب الإجابة عن هذا السؤال. أميل شخصياً إلى تفضيل آخر أولادي، كتابي الأخير، وبالتالي أقترحه على القارئ. ولكنني أودّ أن أقترح على القارئ في العالم العربي كتابَ "تأمّلات في محطّات حياة الحسين بن منصور الحلاج" (الطبعة ثنائية اللغة، الإنكليزية والفرنسية، متوفّرة في الجزائر، وستصدر قريباً نسخةٌ عربية - إنكليزية في مصر) أو الاطّلاع على مقالات كتاب "Arabia (Not So) Deserta" المنشور بالإنكليزية (2019). أما القارئ هنا، في الولايات المتحدة الأميركية، فأقترح عليه البدء بكتابٍ من كتب المختارات، إما "Poasis" (الصادر عام 2001) أو "Barzakh" (الصادر عام 2014). تتوفّر هذه المختارات أيضاً باللغتين الفرنسية والألمانية في أوروبا.


■ ما هو السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟
- السؤال الذي كان يشغلني حتى 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020: كيف نتخلص من ذلك الرجل الفاشيّ في البيت الأبيض. أما اليوم، فتشغلني كيفيةُ الاستفادة من كتاباتي الشعرية ومقالاتي في التفكير في قضية إنقاذ هذه الأرض من الدمار على يدي الإنسان الغبي. وأخيراً: الاستمرار في كتابة قصائد الحبّ رغم كل ما يحصل من حولنا. 

يشغلني سؤال التخلص من ذلك الرجل الفاشيّ في البيت الأبيض


■ ما أكثر ما تحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها وما هو أكثر ما تتمنى تغييره فيها؟
- أهمّ ما يعجبني في تراثي الأميركي الأوروبي روحُ الاستكشاف والتجريب، والنظرة الحداثيّة للنسبيّة، التي نحتاج، لفهمها، إلى ما سمّاه الشاعر البريطاني جون كيتس بمفهوم "القدرة السلبية". أمّا ما أكرهه في ثقافتي وفي جميع الثقافات الأخرى، فهي تلك الثوابت المُخترعة الزائفة في الإيمان أو الأيديولوجيا الأحادية. يمكن الرجوع في هذا الشأن إلى محاوراتي مع أدونيس في كتابنا "حوارات في جبال البيرينيه" (بالإنكليزية، 2018).


■ إذا كنت ستبدأ من جديد، فما المسار الذي ستختاره في الحياة وما هي الخيارات الأخرى التي ستختارها؟
- لم أطرح على نفسي هذا السؤال من قبل. عندما أفكّر في مسألة المسيرة المِهنيّة ينحصر تفكيري في ما سأفعله غداً، وما الذي سيسعفني الوقت لإنجازه، وكيفية إيجاد الوقت والمساحة الكافية لتطوير كتاباتي وتجربتي. 


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- كتبت في "الرحّالة" (بالإنكليزية، 2003): "التمازُجُ الكاملُ بين الأعراق هو الحلّ الوحيد... فالطهارة والنقاء المزعومان أصلُ كلّ الشرور". سوف تتحسّن مجتمعاتنا إذا تمكنّا من إقناع المزيد من الناس بهذا الأمر، ولكنّنا أمام استحقاق الحفاظ على عالمنا، وهذا ما يضعُ الوعي البيئيّ في بؤرة التغيير المطلوب.


■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- في يومٍ ما من حقبة ما قبل التاريخ، منذ 25000 سنة، رسم أحد البشر على جدران الكهف، وكانت هذه بداية الفن البشري، إن لم نقل الوعي البشري. ولذلك، أرغب دائماً في معرفة ما خَطَر في عقول وأجساد وأرواح وقلوب البشر العاقلين الأوائل عندما قرّروا تجسيدَ تمثيلاتٍ ثابتة لعالمهم على جدران تلك الكهوف.

تعلّمتُ أنّ كلّ كتابة، في عُمقِها، عبارةٌ عن ترجمة


■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟
- السياسات الاستبداديّة القوميّة والديانات التي يسيطر عليها الذكور المسنّون أصحاب النزعة الذكوريّة. يتّضح، بالنظر إلى العالم وكيفيّة تعامل البلدان المختلفة مع جائحة كورونا، أن أفضل النتائج قد تحقّقت هي على أيدي القيادات النسائية. أتمنّى لو تنتخب بلادي نساءً أفريقيات أميركيات في جميع مفاصل السلطة ومستوياتها، لأنهنّ سَيَكُنَّ الأفضل في حماية حرية التعبير وحرية الكتابة.


■ ما هي قضيتك وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟
- العبارة الأفضل في الولايات المتحدة اليوم هي: "حياة السود مهمة، لا سلامَ بدون عدالة". إنّها مجرد كلمات مقتضبة كتبها أحدهم، ونسخها وطبعها ونشرها الآلاف في ما بعد. في المضمون العميق، كلّ كتابة هي كتابةٌ سياسيّة، لذلك تمثّل الكتابة قضيّةً بذاتها وترتبط بكل شيء يتجاوزها أيضاً. 


■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أيّ درجة توافق على هذه المقولة وإلى أيّ درجة كَتَبَك المترجمون؟
- أكتبُ بلغتي الرابعة. وأُترجِمُ من أربعِ لغاتٍ إلى لُغتين. لقد تعلّمتُ على مدى نصفِ قرنٍ من هذا العمل أنّ كلَّ كتابةٍ في عُمقِها عبارةٌ عن ترجمة. اللغةُ نفسُها ترجمة، لذلك لا وجود لنص "أصليّ". ولهذا أعتقد أنه يمكنني القول إن المترجمينَ يكتُبونَنِي، ولكنني في الوقت نفسِه أكتبُ مترجميَّ أيضاً. 


■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب فيها؟
- أنا في علاقةِ حبٍّ معقّدةٍ مع لغتي، وأقصد بهذا أنّنا نغرق في الحب أحياناً ونتشاجر أحياناً أخرى، ثم نتصالح. 


■ كاتب منسي من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟
- هناك الكثير والكثير من الكتّاب في الولايات المتحدة، سواءً في الماضي أو في الحاضر. نشرتُ مع جيروم روثنبرغ مختارات "قصائد الألفية" لإتاحة الأعمال الأقل شهرة (أو الأعمال "المنسيّة" بالفعل) وأهم الأعمال التجريبية في القرن الماضي. جاءت المختارات في 1500 صفحة وشملتْ ما يقارب 200 شاعر. أودّ اليومَ رؤية اهتمامٍ جادٍّ، حقيقيّ، بالشعراء الذين ينتمون إلى ثقافات السكان الأصليين في أميركا الشمالية.


■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحبّ أن تكون صورتك عند قرّائك؟
- "شاعر رحّالة وَصَفَ عصرَه بدقّة. ولا تزال بعض قصائده تخاطبنا مباشرةً حتى اليوم".


■ كلمة صغيرة شخصيّة لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟
- طَرَفَة بن العبد واحدٌ من أبطالي في الشعر، ويعود هذا لمعلّقته العظيمة ورفضه الانصياع لإرادة الملك. تربطني رابطةٌ عميقةٌ مع هذا الشاعرِ الرحّالة (الصعلوك)، حتى لو كانت الجغرافيا التي أتحرّك فيها تُسَمّى نيويورك وباريس ولندن ولوكسمبورغ.


بطاقة 
وُلد بيير جوريس عام 1946 في ستراسبورغ في فرنسا، ونشأ في لوكسمبورغ، وتنقل بين أوروبا وأميركا الشمالية والمغرب العربي مدة 50 سنة. نشر أكثر من 70 كتاباً في الشعر والترجمة والمقالات، من آخرها "مسارات الثعلب وحكاياته وهرولاته" (مقالات، 2020). من مجموعاته الشعرية "تأمّلات في محطّات حياة الحسين بن منصور الحلاج" (2013/ الصورة) و"h.j.r - هجر" (1999). كما أصدر "حوارات في جبال البيرينيه" بالاشتراك مع أدونيس (2018).

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون