قوس النظرة مليء

قوس النظرة مليء

30 سبتمبر 2021
ضياء عزاوي/ العراق
+ الخط -

كلما حاولت، قلت جملة جميلة ثم ثأثأت: إن تمجيد الحب والحنان والإيمان بالإنسان، هي أمور لا تصل إلى آخر المطاف، معي، في فقرة مفيدة.

كلما حاولت، اعتراني شكٌ أكّال.

كيف يغريني التمجيد، بينما أرى المشاهد من خلال القوة المدمرة للسلاح؟

من خلال الصورة المحبطة لمن يقضون تحت أنقاض منازلهم؟

جنسنا البشري هو أسوأ نوع حيّ على الكوكب.

ومهما عدّلت من كلامي، يظل الإنسان هو ذئب الإنسان، فهل يستحق ذئب أن يُمجّد؟

العالم يحكمه قانون الغابة: القوي يأكل الضعيف. وما نحن ضعفاء العالم سوى الخيالات والشخصيات العرضية العابرة عنه، على الرغم من أننا نحن الشعر والفنون والخير والطيبة والعذوبة (لا عذوبة لقوي)، وبالرغم من أننا، كذلك، نحتوي على كل الأوصاف المليئة بالشعر.

المجد لبرق في الليل. المجد ليد هي العليا.


■ ■ ■


يروقني استغلال ضوء النهار الأول للمشي وتأمل ملكوت الغابة.

من حسن الحظ، أنني أسكن على طرفها الآن، وأرى نباتاتها وأشجارها العالية، وغير نوع من طيورها الصغيرة والكبيرة، من خلال واجهة المطبخ الزجاجية، بينما أفطر.

لم ينادني أحد، مبنى أو مدينة أو امرأة، كما تفعل الغابات عادة.

ولقد مررت بالعديد منها، في أماكن متفرقة من أوروبا، لكن ما بقي في الذاكرة منها هو ثلاث: غابات كراكوف الشاسعة في جنوب بولندا، غابات سلسلة جبال كولسيرولا في كتالونيا المحيطة ببرشلونة، غابات هذه المنطقة التي أحيا فيها في "كيسندر لو"، وهي أقلها اتساعاً، تقع في الريف الفلماني من الشمال البلجيكي.

الغابات تلك التي تزرع السكينة والتناغم مع الطبيعة، عندك. ومنذ ذلك الحين تصبح محباً للغابة (وكارهاً لها في نفس الوقت) أينما تكون وكيف تبدو.


■ ■ ■


اليومَ، أنا حي وقائم: هنا، على سبيل مثال، يوجد مطبخ لا يستخدمه سوى الأحياء من البشر. وهذا الكرسي موجود في المنزل منذ أربعة عشر عامًا، وأجده مميزًا جدًا. إنه موجود في غرفة الطعام، وعلى الرغم من أنه يبدو ككرسي عادي، إلا أنه ليس كذلك. لقد عشت في هذا الكرسي لحظات عديدة، وكان هناك أشخاص مهمون جدًا بالنسبة لي، قد مروا بمخيلتي وأنا جالس عليه.

مثل طيف أمي أم منير التي توفيت عندما كنت في البلد، قبيل الرحيل إلى برشلونة. أو طيف والدي عندما كان لا يزال يعيش مع أمي، ثم مات وأنا في أقل من سن الرابعة، لهذا لا أتبين طيفه على نحو واضح.

لا غرو أن المنظر الدنيوي لا يجعلني أقفز: لا غرو أن قوس النظرة مليء بالوقت الذي أعيشه.

لا غرو أن العالم زفير خارج، وأشجار متكسرة.


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية

المساهمون