استمع إلى الملخص
- يستعرض الكاتب المفارقات في حياته، مثل استخدام أغنيته ضده، والصراع بين الهروب من الواقع والحنين للماضي، وكيفية مواجهة التحديات والاحتفاء بزوال المسافات بين الحقيقة والسراب.
- يتحدث الكاتب عن المجزرة والبياض الذي يملأ الورقة، محاولًا تمرير الأفكار في صمت، ويعبر عن تجربته في مواجهة الجلادين والذكريات المؤلمة، مما يعكس الصراع بين الماضي والحاضر.
احتمالات
هَبْ أنّني عبَّدتُ حصّتي من الضباب إنْ بِرَغوة الذاكرة
أو بتداعياتِ هذا المنفى الذي شاء أن يترنَّح في أعماقي
وكأنّه ناقوس
هَبْ أنّني واظبتُ على حراسة إيقاعك
الذي يُروِّض الدَّم السائب في جسد الماء وعروق الحائط
الذي يوقظ نهد الأنثى لحظة تغفو أنامل الفتى
هَبْ أنّني سمَّيتُ لك قناديل الشوارع
قنديلاً قنديلاً،
ورهنتُ أَمسي وغَدي في كفّك
صخب أعمال شاقّة في مفكّرة مُحايدة
لكن، كيف سأنجو من هذه "الآن"
الحادّة كعقرب الساعة
أو أُنقذ أحلامك بسهوٍ مقصود
مُوقداً ناراً أُخرى
في حدقتيك اللائقتين بالحُبّ دائماً
من أجل أن
من أجل أن
من أجل أن تُفسّر لي بودّ لا متناهٍ
سرَّ هذه الفصول التي تخمَّر الجليد في القلب.
لكن...
يا لها من مفارقة تُثير الشجن
أن ترى أُغنيتك ملحمة حماسية يُردِّدها خصمك ضدّك
أفلم يكُن بمقدورك أن تنتسب للعاصفة التي لم تكن جنيناً
لتمنحنا هذا السؤال المُدهش
من أي نُطفة تكوّنت؟
أن تحتفي بزوال المسافة بين الماء والسراب
أن تحجب الذاكرة بكفّك
كي يعبر غريبٌ آخر
يا لها من مفارقة أن ترى أُغنيتك ملحمة يُردِّدها خصمك
دائماً تُطوّع سفني رهبة بحارك
إلّا أن السواحل ذات المباهج الزائفة والأمان المُرتعش
سرعان ما تُبدّد فينا حكمة امتطاء الرغبة
فإلى أين سيهرب أحدنا
مُختزلاً الخصوم كلّهم فيه
حاشداً غمامات الحنين في الصدر
باسطاً ذراعيه للمطر
غير مبالٍ بعدما حشَّد صواعقه ضدّنا
ومرتجفاً في الآن ذاته إزاء أبسط موت
كنار في عين غزالة شاردة
هَبْ أنّني خبّأتُ عشبة الذّهن تحت حجارة صَلدة
ورممَّتُ المدى بشهقة طريّة
أتُراني قادراً على اقتياد قطيع ألحاني إلى الماضي
أن أُوقف سَيل الدَّم المتدفّق من صدغي البهجة
أن أفُضَّ شجار الليل والنهار
أن أُعاتب كلّ نهارٍ تركني وحيداً مع الليل
وكلّ ليلٍ لم يسكب خمرته فيَّ
حقّاً إنّه لمِنَ المُدهش أن نتسكّع في جحيمٍ مُتخيّل
أن نُلاحق الكواكب والمجرّات كالمُراهقين
ونغفل القلق الذي يغيّر لونه، كلّ حين، في أعماقنا
وكأنه سماء
الأرض تسّاقط
فيما ينصبون عليها حيطاناً ثابتة
فلأقُل لنفسي
إنّها مُتعَبة مثلي وكئيبة مثلك
لكن أوّاه أيّها الصديق
أهكذا دون أن تستأذنني
تقتحم دار المجانين التي في الرأس؟
■ ■ ■
مجزرة وبياض ورقة
ما لم أستطع أن أقولَه لكُم بالكلمات أُحاول أن أُمرّره في صمت. خبّأتُ الكثير من الأفكار والصُّور في الأجزاء البيضاء من الورقة.
القارئ النبيه وحفّار الآثار من طينة واحدة، بالنسبة لي، شخصياً، ثمّة جُثث عديدة ترزح تحت طبقات الشريط الأبيض الصغير في النهاية التي تفصل الفقرات إلى مقاطع، تجّار خبّأوا في ثيابهم وأحزمتهم أوراقاً نقدية، نساء طرّزن بلابل الذهب على بطانة عباءاتهنَّ... هناك جثثُ أطفال رُضَّع توجد مجوهرات ثمينة في عُلب الحليب المُجفَّف... كلّ هؤلاء قطعوا معي الحدود ذات يوم في نيسان، وفارقوا الحياة على مرأى من عيني.
قد تتلاشى الصُّور لفترة طويلة في الضوء، لكنّ للذاكرة أنفاقاً سرّية نحو بياض الورقة.
تأتي الكلمة من أوائل نيسان، يأتي الجلّادون مجدّداً إلى الباب، لقد كبرت وصار لي أطفال لا مكان يذهبون إليه، يتأرجحون بين حكايتي والحافلة التي أقلّتني نحو المجزرة.
■ ■ ■
* شاعر ومترجم عراقي مقيم في هولندا