قصص من برشلونة

قصص من برشلونة

18 يناير 2021
مقطع من لوحة "تجوال في برشلونة" لـ هيذر أريناس
+ الخط -

على ما يرام

أول ما فعله فرانكو، لما فتح عينيه، أن حمد الله على العودة. تزحزح قليلاً وصرخ منادياً رئيس الحرس. جاء الأخير ورفع البلاطات، وقبل أن يقف فرانكو، أدّى الحارس التحية العسكرية آليّاً.
بعد وقوفه، أمر فرانكو بسرعة تجهيز الحمّام، وإحضار الملابس الجديدة من الخياط الخاص.
ساعة على المائدة، ونزل فرانكو ليتفقد الأحوال.
عندما عاد من جولته المسائية، كان مبسوطاً، وأمر الحارس بإرجاعه إلى حيث كان.
استغرب الحارس فعاجله: نفّذ! كل شيء كما ينبغي، ويلزمني قسط آخر من الراحة. 

■ ■ ■ 


سخّان

مات سانتياغو إسبيرانثا وهو يفكّر بتغيير السخّان. مات عن سبعين سنة. لا يوم زائد ولا يوم ناقص، كما كان يحب أن تكون الأشياء من حوله. 
شاركنا في مراسم الدفن، نحن أصدقاءه الأربعة بعد اتصال ابنته أنخيلا. كنّا ثمانية أشخاص أو عشرة ـ مع صديقاتها. ونحن عائدون تمنيّت لو فكر الجميع، مثلي، بإعادة اكتشاف الماء الساخن: بتلك المعاني المزيفة للمكسب والخسارة.
أنخيلا قبّلتنا وقالت إنها ذاهبة لتخليص بضعة أوراق في البنك. وحسناً فعلت البنت. فقد كان المرحوم يفكر بتغيير السخان، بل المنزل كله، لأنّه لا يمضي شهر إلا ويتعطّل فيه شيء. 
في آخر مكالمة، قال:
ـ محروم من الاغتسال منذ وقت. ولا بد أن أعيش بحسابات باردة كي أحصل على الماء الساخن.
كان يشير إلى هموم أعرفها مع البنك. ولم يخطر بباله أن يتعطّل هو الآخر مثل سخّانه في يناير. 


■ ■ ■ 


شعاع

على الممشى المعشوشب، نقطة ضوء، يستطيع أن يميّزها من حيث يجلس. هل تسرّبت من أغصان الدلبة الكبيرة؟ الدلبة التي تُظلُّه ومَن حوله في هذا الربيع الصائف؟
ينظر للأغصان جاهِداً ليحدّد مسقط الضوء. ترى من بين أية ورقتيْن؟ الأوراق التي تشبه ورق عِنَبته هناك، التي عرِف أنها دلبة بعد سؤال، التي بحجم الكفّ، التي تظلل عُري الصبية الآن، فتهبه كل مجده الزاهي، بهاءه وحسّيته .. 
النقطة تزحف من ظاهر الفخذ وتضيء جانب النهد، وهو ينتقل ببؤبؤيه الحمراوين بين الأوراق اليانعة، فيرى ببغاء أرجنتينية تلتهم نصف رغيف.
يتوقف يائساً، وينظر للنقطة، فإذا هي متعامدة على رأس الحلمة الزهرية الصغيرة.
الصبية رمت الصدّارة جنبها واستوحدت مسبلة الجفنين في حمّام شمس، وقريباً منها، ثلّة من سائحات الشمال يفعلن بالمثل.
سيوتاديا هادئة، وهو نسي النقطة والأغصان، وأدار جسده للجانب الآخر، حيث ثلاث نملات يحملن رزقهنّ، ودوريّان ينبشان التراب.
تذكّر أنه لم يفطر، ولمعت الفكرة: بعد الاستيقاظ، تطفح السلال.


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون