في حياتي السّابقة حلمتُ أنني سأُصبح رَجُلاً

في حياتي السّابقة حلمتُ أنني سأُصبح رَجُلاً

18 سبتمبر 2021
"شخصية بالأزرق مستلقية" لـ أليكوس فاسيانوس (اليونان)، زيت على قماش
+ الخط -

 

راضية تومي


في حياتي السّابقة
كنتُ ثعلباً ذا فرو أحمر مائل للبرتقاليّ
وكنتُ أركض بين سيقان الأعشاب العالية
في السُّهول المفتوحة
خلف الأرانب السّمينة
التي ضَيّعتْ طريق بيتها.

في حياتي الحاليّة
أنا رَجلٌ أعيش في مغارة
أضع كَفِّي على فمي
كي لا أنبس بِبِنت شفة
الفمُ المفتوح غالباً ما يتسبَّب بمشاكل
في المغارة أتأمّل شروق الشمس وغروبَها
أَنظرُ ليلاً إلى أنهار النُّجوم
وعندما يضع القمر قَدَمه في قُبّة السماء
كنت أبحث على الأسطح عن الظِّلال الزاحفة.

تأمّلتُ كثيراً
لمُدّة أربعين يوماً
وما نزلَ الوحي عَليَّ
كنتُ أَعشقُ ظلي
وبيني وبينه حكايات طويلة.

في حياتي السّابقة
كنتُ ثعلباً شقيّاً أُغازل الدّجاجات الأنيقات
وأقصُّ عليهنّ حماقاتي في البرّية
ثم ألتهمهُنَّ.

اليومَ أنا رَجلٌ وحيدٌ
يعيش في مغارة
يتأمّل الطبيعة لِساعاتٍ
وفي أحلام اليقظة يحلم بِنِساء مُثيراتٍ
لِساعات أخرى
ولا ينزل عليه الوحي
ربّما لأنّني لا أعرف ما أريد بالضبط
أو ربّما لأنني اخترتُ المغارة قسراً
وحياة الزُّهد ليست خياري الأول
ولن تكون خياريَ الأخير.

في حياتي الحالية
أنا رَجُلٌ لا يستطيع الكلام
يختنق قبل أن ينطق
كلماتُه قُطنٌ سارحٌ في المدى
كَخِرافٍ ضالّة
ولستُ حتماً راعيها.

في حياتي السّابقة
حلمتُ أنني سأُصبح رَجُلاً
يعيش في مغارة
رَجُلاً باع لسانَه في سوق الأشياء المستعملة.


* شاعرة ومترجمة من الجزائر

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون