في حزيران كهذا

في حزيران كهذا

14 يونيو 2021
سعدي يوسف في القاهرة ووراءه ميدان طلعت حرب، حزيران 2012 (العربي الجديد)
+ الخط -

في حزيرانَ كهذا، عام 2012، بينما كنت أهمّ بفتح باب غرفتي في لوكندة "توليب" في ميدان طلعت حرب بالقاهرة، انتبهت إلى رجل عجوز يَفتح أو يُغلق باب غرفته المجاورة. حينما دقّقتُ النظر؛ كان سعدي يوسف.

انعقدت صداقةٌ سريعة أملَتْها الجيرة، ورافقته هو والشاعر المصري جرجس شكري بضعة أيام في "مثلث برمودا" كما كان سعدي يسمّي الحانات الثلاث التي نبدأ المساء المبكّر في أوّلها ونغادر قبيل الفجر مِنْ آخِرها.

كان يصعب على شاب أن يجاريه في السّهر والشراب. انسحبت لأرتاح وتركت سعدي في رعاية جرجس الذي كان يرعانا بذكاء وشهامة ابن البلد. بعدها بأيام قليلة كان عليّ أن أترك القاهرة الحلم وتلك اللوكندة العظيمة التي دلّلنا العاملون فيها. غرف عالية السقوف تطلّ على الميدان وتسطع فيها شمسه. 

وكان سعدي يعبّر عن الدهشة، بحركة دائرية من يديه وتمتمات عراقية، من الفطور العظيم الذي كان يراه مفروداً على صينية كبيرة في الغرفة عند استيقاظي بعد الظهر (كان باب الغرفة مفتوحاً).

اليوم وفي حزيرانٍ مماثِل يُغادر سعدي، يغادر في مطلع الصيف، والحياة ــ كعادة الحياة ــ في أوجها، لا تكترث بالوباء أو بالمآسي العربية الكثيرة. أبحث عن الصورة التي التقطتها له في "توليب". سعدي في الشبّاك بنظرة ذاهلة رغم أنه كان يفيض بالصخب قبل قليل. حزيران وذهول؛ الشِّعر يبقى.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون