في المملكة غير السعيدة

في المملكة غير السعيدة

31 يناير 2022
جزء من لوحة لـ خالد حافظ/ مصر
+ الخط -

أنام غاضباً:
ـ ثمة من يزايدون على دماء من يدفعون دائماً فاتورة الألم، وكأنّهم تجار أسلحة وقتلة بذور.
أصحو غاضباً: 
ـ ففي كابوسي المستقى من تفاصيل الواقع، رأيت صاحب القدرة الكلّية مختطفاً من قبل القوى الجديدة. أولئك الأقوياء الذين يمكن أن يتفاخروا برغبة أكبر في السيطرة على الكوكب، والعودة للمراهنة على قوة الأسلحة والمال، أكثر من الرهان على تجديد أمل عالمي جديد.

أغلق عيناً وأفتح أخرى، غاضباً:
ـ فلا إله في العالم الرأسمالي، إلّا إله الربح بأيّ ثمن. فهل ستعمل خلاصة كهذه، على إعادة التفكير في هياكل السلطة الحالية غير العادلة والطبقية، التي تحكم مليارات الناس بالفقر وحتى الجوع وانعدام الأمن؟
ثم أخيراً أسترخي غير غاضب:
 ـ فبعد منتصف الليل، يكون قد مرّ يوم، ويكون يوم جديد، قادم، إثر نوم ضحل أو عميق، في طور الانبثاق والإشراق.

إلهي! تكرار هذه الأيام، التي هي كلّ ما يملكه الكائن الفاني، هو تكرار محبّب وفريد الجمال، بل هو نوع عالٍ من السحر، تماماً كلحظة انبثاق اللذة الحسية، أو انبثاق قصيدة شعر.
إلهي:
كثّر من أيامنا، على هذا الكوكب الصغير، ومتّعنا بالصحة، فلا نحتاج لأحد... قادر يا كريم.


■ ■ ■


في ختام جلسة التحقيق الثانية، تقول لك المحققة الأفريقية إنّ ملفك في "يد المفوض العام"، وهو وحده من يقرر بالسلب أو بالإيجاب.

تتقدمك الشابة الأنيقة، ومن ورائها الطاقم النسائي بالكامل، بخطوات عسكرية، إلى بوابة المبنى، وهناك تفتح الباب الزجاجي، منهيةً آخر مهامّها.

تخرج حضرتك لهبّات الهواء، فتصل محطة القطار القريبة، وأنت تفكر ـ بالإذن من بسّوا ـ بالمفوض العام و"جبينه الصارم" الذي "يعرف وحسب وجهة المستقبل". 

تركب القطار، عائداً إلى مدينة أنتويربن من بروكسل، ومنها بالباص رقم 420 إلى مخيم بروخم، سارحاً في تخيّل شكل المفوض العام الذي مُنحَ، لأسباب لا تدريها، الحق في تقرير مصيرك ومصير العائلة، راجياً ألا يُشبه الأمم المتحدة، وأن يكون جبينه بالذات غير صارم، وقلبه بالأخص ليس من مشتقات البازلت، وعقله مثقفاً، ولو قليلاً، كي لا يطوّحنا في الريح.

مثلما فعلَ ويفعل مفوضو بلجيكا العامّون مع 99% من لاجئي بلجيكا الفلسطينيين، في السنتين الأخيرتين.

تشارِف بوابة المخيم، الذي كان، ذات يوم، معسكراً للجيش الإنكليزي، والذي هو الآن سجن لحوالى 600 لاجئ، وسط ريف ولا في الأفلام، وقصور ولا في الأفلام، وحيوانات ولا في الغابات، وسيارات ولا في الخيال، ومصائر معلقة على خشبة المفوض العام، إله اللاجئين المحدثين الجديد في المملكة غير السعيدة.


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية

المساهمون