في الشارع مقابلَ الكنيسة

في الشارع مقابلَ الكنيسة

02 مايو 2021
("حقل القمح والغربان"، فان غوخ، 1890)
+ الخط -

كان بوسعكِ أن تحبّي رجلاً غيري
تعرفين أنّني أحبّ أن أكون
رجلاً مهملاً 
لا تجدين فارقاً
-عندما تراقبينهُ -
بين خطواتهِ وبينَ خيوطِ الضوء 
ساكناً شفيفاً، ويغيب من غير أثر 
بوسعِ حركتكِ، وأنتِ تبعدين الإناء 
وأنتِ تغيّرين أغطية المائدة 
وأنتِ تنزعين صوراً قديمة معلّقةً على حائطٍ قديم 
بوسعِ حركتكِ في الغرفةِ
أن تتّسع لمخاوفي 
أكثرَ من حديثكِ الغابرِ
عن الرَغبة وعن الحُبّ
بوسعِ معطفكِ المرميّ على الأريكة 
بوسعِ الرّيشِ التي رسمتِ بها 
طائرَ الحبّ الأزرقِ 
بوسعِ علب الدواء في الأدراج 
والأمشاط في رفوف المكتبة 
بوسعِ الستائر والأزهار الذابلة 
أن تَشعرَ بخطوِ رجلٍ مهملٍ
يعبرُ من غير أن ينبّهكِ إلى عبوره 
يعبرُ من غير أن ينادي عليكِ 
من غير أن يشرحَ لكِ 
عن حاجتهِ 
لأن يكون رجلاً مهملاً 
يراقبَ آثاركِ 
في الأشياء الباقية من حولهِ


■ ■ ■


عرفتُ من نساءٍ شاهدنكِ قربَ الكنيسة 
أنّكِ كُنتِ تبحثين عن أحدٍ لا يعرفك، 
كي تعترفي لهُ عن آلامٍ تجهلين مصدرها 
فيما كنتُ أخبرتك طوال سنوات، 
أنّها عيشُكِ مع رجلٍ يحبُّ أن يكون رجلاً مهملاً 
رغم تساؤلاتهِ أمام نفسهِ في غيابكِ
ماذا كنتُ لأفعل في حياتي لو لم أَحْبِبْكِ؟
وماذا أفعل بحياتي إذا لم تكوني فيها؟
ماذا أفعل بيدي من دون أن أعانقك 
وبصوتي من غير أن أنادي عليك؟
كيف لعينٍ لا تنظر إليكِ 
أن تلين
وكيف لقلبٍ لا تؤنسينهُ 
أن يَرِقّ؟


■ ■ ■


لا يأبهُ الرجلُ الذي يحبّ أن يبقى رجلاً مهملاً 
بدموعكِ، 
إذا عرف أنّه سببها.
يرتبكُ وتحاصرهُ الأحزان 
إذا أحزنكِ مشهدُ طائر بجناحٍ مكسور 
أو قطٍ يسحبُ ساقهُ المنتزعة من بين السيارات.
لكم يناسبك أن تعيشي مع رجلٍ آخر 
غير بعيدٍ عنكِ، 
وغير متواطئٍ ضدّك 
تحتاجين رجلاً جديداً 
لم يؤرقهُ الحبّ، ولم تعطّل المسافة قلبهُ
لو تنهضين عن كرسي الاعتراف 
لو تجتازين الشارع الذي رأيتُ واحدةً تشبهك 
تجتازهُ مقابل الكنيسة 
قبل ثلاث سنوات، 
وخلتُ أنّها أنتِ.
لو تجلسين في المقهى برفقةِ الرجل المهمل 
وتخبريه أنّ ما يجمعكما من هوايات التخفّي 
يرهقُ الجسدَ.
ثمّ لو تغادرين الرجل الذي يحبّ أن يكون رجلاً مهملاً 
قبل أن تصيري امرأة تحبّ أن تكون امرأة مهملة


■ ■ ■


غادري الآن!
اتركي ما لديكِ من أشياء في منزلهِ 
اتركي ما لديكِ من الرِّقِّة 
وما لديكِ من الحكايات معهُ 
غادري مخيلةَ الرجلِ الذي يحبّ أن يكون رجلاً مهملاً، 
بعدما غادرتِ حياته تلك الليلة، وأنتما تجلسان في المقهى
منذ ثلاث سنوات. 
حيثُ 
خرجتِ مسرعةً،
واجتزتِ شارعَ الكنيسة 
إلى حياةٍ لم يَعُدْ يعرفها. 


* روائي وشاعر من سورية

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون