فريديريك برولي بوابريه.. الفن لفهم الذات الأفريقية

فريديريك برولي بوابريه.. الفن لفهم الذات الأفريقية

12 مايو 2022
"رؤية إلهية 11 مارس/ آذار 1948" لـ بوابريه (من المعرض)
+ الخط -

في عام 1948، بدأ فريديريك برولي بوابريه رحلته لابتكار نظام كتابي لقبائل "بيتي" الأفريقية التي ينتمي إليها من أجل تدوين ثقافتها الشفوية التي تعود إلى مئات السنين، من خلال صنعه ثماني بطاقات بريدية من ورق مقوّى رسم عليها بقلم الحبر الجاف والرصاص الملوّن الشمسَ ككرة شائكة مع رسوم توضيحية أخرى، ليؤسّس أبجدية تضمّ أربعمئة وثمانية وأربعين رمزاً كتابياً.

تلقّى الشاعر والرسّام الإيفواري (1923 - 2014) تعليمه الابتدائي إبّان الاستعمار الفرنسي لبلاده، وعمل كاتباً في الإدارة الحكومية حيث رسَم في تلك الفترة حيوانات وطيوراً وأدوات من الخشب والعاج والمعدن ورموزاً أسطورية، وغيرها من المفردات التي استمدّها من محيطه، في محاولة لإعادة إنتاج تراثه.

حتى الثالث عشر من آب/ أغسطس المقبل، يتواصل في "متحف الفن الحديث" بنيويورك معرض "فريديريك برولي بوابريه: عالمٌ غير مقيّد" والذي افتُتح في الثالث عشر من آذار/ مارس الماضي، ويضمّ مختارات من أعماله التي وثّقت التقاليد والمعتقدات الدينية والروحية والمعارف الشعبية لقبائل "بيتي".

وضع أبحاثاً بصرية معمقة حول واحدة من أقدم اللغات الأفريقية 

على بطاقات بريدية تجاوز عددها الألف، يتعرّف الزائر على مواضيع مختلفة شغلت بال الفنّان، بعضها مشاهد من الحياة اليومية لمدينة أبيدجان؛ العاصمة السابقة لساحل العاج، والتي انتقل للإقامة فيها آتياً من قريته زيبريغوه، إلى جانب أعمال تستكشف قضايا مثل الديمقراطية وحقوق المرأة والمبادئ السياسية التي آمن بها.

حتى زمن قريب، لم يرَ العديد من النقّاد والفنانين في الغرب ممارسة كثير من الفنانين الأفارقة بوصفها فنّاً يمكن عرضه في المتاحف والغاليريهات، لأنها تنطلق من نظرة مختلفة لماهية الفن ووظائفه، والتي ينقضها بوابريه بعبارة واحدة يقول فيها: "لا أرسم من مخيلتي"، في إشارة إلى أن الفن لديه خارجٌ عن تلك الأسس الجمالية والمعايير الفنية التي روّجت لها المرجعيات الأكاديمية الأوروبية منذ قرون.

تتطابق الكتابة مع الرسم في تجربة بوابريه، وبمعنى أدقّ فإن كلّ ما يخطّه من أشكال وحروف وصور هو نظام واحد لا يمكن تصنيفه كلغة أو كرسوم، إذ لا فوارق لديه بين ما هو بصري وبين ما هو لغوي مكتوب، وما كان عسيراً على الفهم قبل عقود بات اليوم معترفاً به في القارة الأفريقية وخارجها.

الفنان الذي لم يتلقَّ تعليماً متخصّصاً في الفنون، اطّلع في مرحلة باكرة من حياته على تنظيرات السياسيّ والمؤرخ السنغالي شيخ أنتا ديوب (1923 - 1986) حول المشتركات الثقافية التي تربط شعوب القارة السمراء، وبناءً عليه بدأ بحثه عن واحدة من أقدم اللغات الأفريقية، لغة "بيتي"، التي ستشكّل محور فنّه على مدار أكثر من ستّين عاماً.

يضمّ المعرض لوحات من إحدى عشرة سلسلة نفّذها بوابريه في حياته، وتمّ ترتيبها وفق تسلسلها الزمني مع ربطها بمجموعة أحداث كبرى أو معايشات حيايتة ذات صلة بها، مثل عام 1957 الذي استقلّت خلاله ساحل العاج، إلى جانب رسومات لأدوات الزراعة والآلات الموسيقية لدى شعب "بيتي"، وأخرى تبيّن تأمّلاته حول الجمال وحقوق الإنسان والحرّية.

المساهمون