فرقة "لا باس": أغنياتٌ تعود إلى الأرض الأولى

فرقة "لا باس": أغنياتٌ تعود إلى الأرض الأولى

08 مارس 2022
نجم بويزول خلال حفل في "الكوليزيه"، تونس، 2016 (زويه زينب فلّاح)
+ الخط -

لا نعرف إن كان يمكن لنجم بويزول أن يصبحَ المغنّي والموسيقي الذي صارَ اليوم لو لم يُهاجر، مُراهِقاً، مع عائلته إلى كندا، عام 2003. عمّ كان ليُغنّي لو لم يعرف تجربة البُعد عن أرضه، والحنين، وأسئلة الهويّة، وما تعنيه تجربةُ الاحتكاك بثقافات ولغات مختلفة؟ يطرح السؤالُ نفسَه لأنّ هذه المواضيع لا تُغادر نجم بويزول أو "لا باس" (وهو عنوان ألبومه الأوّل واسم فرقته، الذي بات يشبه اسماً ثانياً له)، منذ ألبومه الأوّل في 2007، مروراً بـ"هويّة" (2012)، و"الطريق" (2017)، ووصولاً إلى ألبومه الرابع، "يمّا"، الصادر أخيراً (تسجيلات "آرته دي لوز").

بالتأكيد، يمكن القول إن المغنّي الجزائري يتقاطع، في هذه الثيمات، مع العديد من أبناء بلاده الذين تلقّفوا ألواناً مثل الشعبي والراي بينما هُم يعيشون بعيداً عن مسقط رأسهم ومسقط رأس هذه الموسيقى. لكنّ ما يجعل من البُعد والتجوال بعيداً عن الأرض الأولى شرطاً أساسياً آخر لدى لا باس، هو ارتباط تجربته بشكل وثيق بموسيقات ولُغات أُخرى حول العالَم، وبلقاءات مع مغنّين وملحّنين وموسيقيّين من بلاد تمتدّ من كولومبيا إلى مالي، مروراً بكوبا وكندا وفرنسا.

"التقت فرقة 'لا باس' بهويّتها الموسيقية على طُرق المنفى"، تكتب الفرقة في تعريفها على موقعها الإلكتروني؛ وهي فكرةٌ يعود نجم بويزول ليوسّعها في لقاء مصوّر أُجريَ معه قبل مدّة وأشار فيه إلى الدور الأساسي الذي لعبته هذه اللقاءات، وتنقّلاته مع غيتاره بين البلدان، في إغناء رؤيته الموسيقية وعالمه. نقول "إغناء" ولا نقول "صياغة" أو "تشكيل"، لأن لا باس بدأ مسيرته في الجزائر، ولأن اللغة العربية، والمحكية الجزائرية، ولوناً مثل الشعبي، تشكّل العمود الفقريّ لتجربته منذ البداية، في حين تشكّل أسماء مثل معطوب الونّاس وكمال مسعودي أحجار أساس في تكوين ذائقته. بعبارةٍ أخرى، لا تذهب فرقة "لا باس" إلى الموسيقى الجزائرية في استعادةٍ استشراقية، بل تعمل من داخلها وانطلاقاً منها.

لا يعود إلى الموسيقى الجزائرية كمستشرق، بل ينطلق منها

"يمّا"، الذي يضمّ 14 مقطوعة، يُعطي صورةً مثالية عن هذا الموزاييك الواسع. إذ يُفتَتح الألبوم باستعاداتٍ لأعمال وأسماء أساسية في الشعبي الجزائري مثل "يا مقنين الزين" لمحمد الباجي، و"هاد الخاتم" و"مريومة" لأعمر الزاهي، ينتقل بعدها لا باس إلى أعمال من تأليفه وغنائه، بالفرنسية أو الإسبانية، أو استعادات لمقطوعات معروفة مثل "دانس مي" لليونارد كوهين، التي أعاد توزيعها جزئياً في قالب عربي، وأضاف إليها مقاطع بالمحكية الجزائرية، إلى جانب تلك الإنكليزية (لُغة لا يغنّي فيها عادةً). ينوّع الألبوم بين هذه الروافد، متنقّلاً من الموسيقات الجزائرية إلى الرومبا والكومبيا والفلامنكو، ومن "أنا وانتِ يا قيثارة" لكمال مسعودي إلى "الجبل يحترق"، التي لحّنها لبويزول الفنان الكولومبي رامون بيدويا.

أعمالٌ تتكثّف حول "يمّا"، الأغنية التي تمنح الألبوم اسمَه، والتي يحيّي فيها نجم بويزول أمّاً بذلت الكثير من أجل أبنائها ومستقبلهم. هذه الحميمية لا تأخذ الفنان من مشاغله العامّة، السياسية والاجتماعية، حيث يعود ليغنّي الشروط القاسية في تجارب اللاجئين والمهاجرين في "لامبيدوسا"، كما ينتقد، في أغنية "حمَامتُنا"، الاستعمار الغربي للقارّة الأفريقية، والحروب التي تعرفها والأزمات المصدّرة إليها، مفتتحاً المقطوعة باقتباس مسجّل من مداخلة المناضل البوركينابي توماس سانكارا أمام المجلس العمومي للأمم المتّحدة (1984).

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون