استمع إلى الملخص
- يواجه المؤتمر تحديات الرقابة الأكاديمية والسياسية في ألمانيا، حيث منعت "جامعة غوته - فرانكفورت" استخدام منشآتها، ويهدف إلى توفير منصة لتبادل الآراء حول القضية الفلسطينية وتعزيز البحث الأكاديمي النقدي.
- تجاوز عدد المسجلين للمؤتمر خمسمئة شخص، وتابع العديد عبر البث المباشر، وشهدت الجلسة الختامية انتقادات ودعوات لاتخاذ خطوات جدية مثل حملات المقاطعة لتحقيق تأثير أسرع.
يستمرّ طلّابٌ من جامعات فرانكفورت ومجموعات شبابية مختلفة في رحلتهم للتعرّف من كثب إلى فلسطين وتاريخ قضيتها ونضال شعبها؛ فبعد إطلاقهم مبادرة لجمع أكبر قدر من الكتب والمنشورات من مجلّات وصحف لبناء مكتبة متنقّلة متاحة للجميع، واستضافتهم، لاحقاً، وفي أكثر من مناسبة مجموعة من الكتّاب والشعراء والفنّانين الفلسطينيّين، إمّا بالحضور إلى المدينة، وإما عبر الإنترنت، وكذلك إقامة فعاليات مختلفة من عروض مسرحية وسينمائية، قرّروا أخيراً التواصل مع مجموعة من الأكاديميّين المتخصّصين لبحث ما سمّوه "التحدّيات الإبستمولوجية والسياسية" التي تبرز عند الحديث عن فلسطين، كتابةً وإنتاجاً أدبياً وبحثاً أكاديمياً.
ما كان يُفترض أن يكون محاضرة يُلقيها ضيفان أو ثلاثة، تحوّل إلى مؤتمر استمرّ يومين كاملين، السادس عشر والسابع عشر من الشهر الجاري، تحت عنوان "مؤتمر الحديث عن (إسكات) فلسطين"، وذلك بعدما لاحظ الطلّاب استعداد عدد كبير من الأساتذة والباحثين للحضور إلى المدينة أو الانضمام عبر الإنترنت، فاتّسع البرنامج ليشمل عدداً من المحاضرات وورش العمل، شملت موضوعات البحث في التاريخي النقدي، والتراث الثقافي والأرشفة، والنظرية النسوية في السياق الفلسطيني، ودَور السينما في النضال، ونقاشات في معنى الهوية والقوميات، وبحثاً في منظومات الرقابة الثقافية على الهوية الفلسطينية، ومسارات الكتابة والقراءة من أجل فلسطين.
وكان لافتاً مشاركة أستاذة من "جامعة بيرزيت" الفلسطينية التي يرى فيها الطلّاب مثالاً للنضال الأكاديمي في وجه الاستعمار مثل علاء العزة، وهيلغا باومغارتين، ورامي سلامة، بالإضافة إلى دعوة كتّاب وباحثين فلسطينيّين مثل حازم جمجوم والصحافية هبة جمال.
منعت "جامعة غوته - فرانكفورت" استخدام فضاءاتها لعقد المؤتمر
يأتي المؤتمر، الذي نُظِّم بمبادرة طلّابية بشكل شبه كامل وبالتعاون مع "منظّمة الصوت اليهودي للسلام العادل"، انطلاقاً "من الاهتمام الكبير في أوساط الطلبة بتبادل الآراء حول القضية الفلسطينية والحاجة إلى نقاش حيوي، في ظلّ عدم وجود خبراء متخصّصين في هذا المجال داخل المؤسّسات التعليمية والثقافية بألمانيا"، وهي محاولة جديدة لإتاحة فرصة التبادل المعرفي وحقّ طرح الأسئلة وتبادل وجهات النظر، الأمر الذي يتعذّر داخل الجامعات والمؤسسات الثقافية التي تمارس رقابةً صارمة بمنع أو التضييق على أي فعالية تتعلّق بفلسطين أو عند استضافة أي شخصية فلسطينية، وهو منع استمرّ عند عَقْد المؤتمر، إذ أعلنت "جامعة غوته - فرانكفورت" قبل يومين من انطلاقه منع استخدام منشآتها لعقد المؤتمر، رغم أن الجامعة تتيح للطلّاب المنتسبين إليها حجز القاعات لإقامة مثل هذه الفعاليات.
ولـ"جامعة فرانكفورت"، التي ينتمي إليها أغلب الطلّاب المنظِّمين للمؤتمر تاريخ خاص، يلخِّص النقيضَين: إنتاج المعرفة على أُسس نقدية من جهة، ونفي الأكاديميّين وتهجيرهم من جهة أُخرى، كما قالت نسرين دُول، إحدى الطالبات المنظِّمات للمؤتمر، في حديث إلى "العربي الجديد"، في إشارة إلى "معهد البحوث الاجتماعية" في "جامعة غوته"، الذي انطلقت منه في عشرينيات القرن الماضي مدرسة فرانكفورت رائدة النظرية النقدية في الفلسفة والأدب، قبل أن يضطرّ أصحابها إلى مغادرة البلاد بسبب النازيّين.
وتُضيف: "أردنا بهذا المؤتمر أن نكون مثالاً لما يجب عليه أن يكون البحث الأكاديمي المستند إلى النظرية النقدية، التي تفخر جامعتنا بتصديرها إلى العالم"، لافتةً إلى مفارقة أنّ أكاديميين يُعتبرون امتداداً لمدرسة فرانكفورت، ويُدرِّسون في جامعات أسّسها روّاد المدرسة في المنفى، ممنوعون اليوم من دخول ألمانيا أو إلقاء المحاضرات فيها، كما حدث مع نانسي فيزر البروفيسورة الأميركية التي أُلغيت دعوتها للحديث في "جامعة كولونيا"، على خلفية تضامنها مع فلسطين.
لا يمكن فصل السياسة عن الأكاديميا حين يتعلّق الأمر بفلسطين
في الإعلان عنه، لفت منظّمو المؤتمر إلى أنّه يبحث في التحدّيات المعرفية والسياسية عند الحديث عن فلسطين. وحول هذا التفصيل توضّح نسرين دُول لـ"العربي الجديد": "هذه التحدّيات هي من ناحية لا ترتبط بالموضوع بحدّ ذاته، ولكن بالظروف السياسية المُحيطة به، وكيف أنّ تاريخ فلسطين وقضيتها جرى دائماً تجاهل بحثهما في مختلف التخصّصات في الأكاديميات والمؤسّسات الثقافية الألمانية، ويكمن التحدّي من ناحية أُخرى في صعوبة فصل النشاط السياسي والعمل الأكاديمي أو الثقافي حين يتعلّق الأمر بفلسطين، وهي الحجّة التي دائماً ما استعملتها المؤسّسات لإحباط محاولة بعض الأساتذة التطرّق إلى موضوع فلسطين، معتبرةً أنّ ممارسة نشاط سياسي لا يناسب البحث الأكاديمي المحايد".
وتتابع: "الشعوب المضطهدة لا تحتفظ بالمعرفة حول هويتها وتاريخها واضطهادها بما يُسمّى بحثاً أكاديمياً محايداً فحسب، بل من خلال النضال الأكاديمي، لأنّ المعرفة المطلوب إنتاجها عن الفلسطينيّين ونقلها وتطويرها لن تكون إلّا إذا أُجبرت المؤسّسات الثقافية والأكاديمية على إتاحة المساحة لها، وهذا لا يتمّ إلّا من خلال نشاط سياسي/ بحثي/ ثقافي، سواء على مستوى الطلاب أو الأساتذة".
تجاوز عدد المسجّلين للمؤتمر خمسمئة شخص، ولكن مع منع الجامعة استقباله في قاعاتها ومحدودية حجم القاعات البديلة التي أتاحتها منظّمة "ميديكو إنترناتشيونال"، اضطرّ أغلب الحضور إلى متابعة المؤتمر عبر البثّ المباشر. ولإبقاء فُرص الالتقاء والتعارف متاحةً، تعاونت بعض الصالونات الثقافية مثل "نادي فولتير" وتجمُّع "إن بيتوين" وغيرها وعَقدت عروضاً جماعية.
ورغم الأجواء الإيجابية التي رافقت المؤتمر والروح التعاونية التي جمعت بين المتحدّثين والحضور، إلّا أن الجلسة الختامية شهدت كلمات غاضبة من بعض الطلاب حتى تُجاه الأساتذة المتضامنين معهم، معتبرين أنّ كلّ الرؤى والتفاصيل البحثية التي طُرحت في المؤتمر، رغم أهمّيتها الكبيرة، تبقى تنظيرات للعمل على المدى البعيد أو في أحسن الأحوال بتأثير بطيء يتنامى مع الوقت، بينما يرى الطلّاب ضرورة اتّخاذ خطوات جدّية مثل حملات المقاطعة وغيرها.