استمع إلى الملخص
- الرواية تسلط الضوء على مسؤولية الفرد في مواجهة القهر والاستبداد، حيث أن استسلام السيد معروف يعكس ضعفًا جماعيًا يؤدي إلى استمرار الظلم، ويظهر ذلك في تهديده لأخته، مما يعكس تناقضًا في شخصيته.
- الرواية تدعو القارئ للتفكير في مدى تمثيل السيد معروف لنا، وتحث على عدم التعاطف معه لأنه يجسد الصفات الضعيفة التي يجب أن نتجاوزها لتحقيق الحرية والتغيير.
يبدو بطل رواية غائب طعمة فرمان "آلام السيّد معروف" مجرّد نسخة مكرّرة ملايين المرّات من مواطن عربيّ. والحقيقة أنّ اسم معروف مجرّد تلاعبٍ لفظيٍّ يُقصد منه التعريف الكامل بالشخصية، وتعميمها كي تكون نموذجاً أو نمطاً. فالرواية ليست عن الآلام، بل عن الشخصيّة المُتهالكة.
فالسيّد معروف خائفٌ ومذعورٌ طوال الوقت من كلّ شيءٍ حوله. يُخفض مديرُهُ رتبته الوظيفية من كاتب في تحرير المقالات إلى كاتب طابعة مهمّته النقل والتصوير الكربوني لما يأتي إليه من المقالات، وذلك لأنّه "تجرّأ" مرّة وصحّح عبارة من عبارات المكاتبة، فيستسلم من دون أن يبدي أية مقاومة، ويقول له: "تؤمر". وهي المفردة العجيبة التي تُلاحق حياته. في التعميم البسيط الذي قد يخطر في بالنا يمكن القول إنّها المفردة التي تلاحق حياة المواطن العربي.
ينتمي السيّد معروف أدبياً إلى تلك السلسلة الرهيبة من الشخصيّات الهامشية الهشّة في الروايات والقصص التي تابعت الإنسان الصغير، من تشيخوف في قصّة "موت موظّف" إلى جورج أورويل في رواية "1984"، التي لا تصوّر المستبّد وحده، بل البشر العاديّين المستسلِمين الذين لا يريدون سوى النجاة بأرواحهم، إلى "دون كيخوته" الذي يستعير منه اسم السيّد وموقعه في المجتمع، من غير أن يمتلك عزيمته، أو روحه الممتلئة بالرغبة في تغيير العالم.
أقصى ما يستطيع السيّد معروف أن يفعله هو أن يستسلم
وبقدر هذا الانتماء الأدبي، ثمّةَ انتماءٌ مماثل إلى الحقيقة الواقعية التي تقول إنّ حال السيّد معروف ليس من مسؤولية المدير الذي يُمثّل النظام المُستبدّ وحسب، وليس من مسؤولية أيّة قوّة خارجية أيضاً، كما اعتدنا أن نُحيل مصائبنا وكوارثنا التي لم تعُد تتوقّف عند حدّ، بل من مسؤوليّته هو نفسه كذلك، أو من مسؤوليّتنا نحن جميعاً عن هذه المآلات المظلمة والمصائر الفاجعة.
فأقصى ما يستطيع السيّد معروف أن يفعله هو أن يستسلم، أن يطأطئ، وأن يقول تؤمر، بل إنّ أقصى أشكال الرفض لديه هي أن يرمي نفّاضة سجائر عن طاولة مكتبه. ولعلّ اللجوء إلى الشعر العربي، حيث يردّد الأبيات التي تُعبّر عن حاله، لم يكن سوى نوع من الهروب. فهو يهرب من استخدام الحاضر في مفرداته الضرورية، ويصوغ حياته الفارغة عبر نقل الشعر الذي يتحوّل إلى مونولوغ مستمرّ لم يعد شعراً، بل تعويضاً عن الموقف الذي يجب على الإنسان أن يتّخذه في وضعه كإنسان، أي أن يُبدي مقاومةً ما لما يتعرّض له من قهرٍ، بدل أن يستسلم ويصبح، دون إرادته، أساساً من أُسس بقاء القهر والاستبداد، أو يعيدُ إنتاجه، إذ إنّ هذا السيّد الجبان يصبح قويّاً فتّاكاً يهدّد أخته بالقتل إذا استمرّت في لقاء الرجل الذي تحبّه.
بعد ختام قراءة الرواية يمكن أن نسأل: هل يمثّلنا السيّد معروف بالفعل؟ والجواب عندي هو: نعم. وهل يعني هذا أن نتعاطف معه؟ والجواب هو: لا، للسبب ذاته؛ أي لأنّه يمثّل أكثر الصفات وَهناً وضعفاً فينا، تلك الصفات التي أودت بنا إلى هذه المصائر الوخيمة التي بتنا ندفع دماء الآلاف من بيننا كي نتحرّر منها، أي من الهوان الذي نحن فيه.
* روائي من سورية