عمّن تكتب؟

عمّن تكتب؟

18 فبراير 2022
محمود حمّاد/ سورية (جزء من لوحة)
+ الخط -

في ردّه على محاضرة لـ طه حسين، موضوعها "لِمَن يكتب الأديب؟"، قال حسين مروّة في كتابه "قضايا أدبية" إن السؤال نفسه ليس صحيحاً، وإن المعركة الأدبية قد أُديرت على غير وجهها الصحيح، وإن الوجه الصحيح لها هو أن نبدّل السؤال مِن "لِمَن يكتب الأديب؟" إلى "عن أيّة فئة من المجتمع يكتب الأديب، وكيف يكتب؟". والسبب في رأيه أن السؤال الثاني يُعنى بالبحث عن وجهة نظر الأدب والفن في المسائل والقضايا الاجتماعية التي يقدمها للجمهور.

طوال أكثر من ستّين سنة، ظلّت هذه المقالة مخبّأة في هذا الكتاب، إذ لا يزال السؤال "لِمَن يكتب الكاتب؟" هو السؤال شبه المركزيّ في أيّة ثقافة أو اتّجاه أو تيّار ينشغل بالوظيفة الاجتماعية للأدب، لا في الأدب العربي وحده، بل في جميع الآداب، وخصوصاً تلك الآداب أو الثقافات التي وَجدت نفسها في حالة بحثٍ عن هوية، أو في حالة صراع مع محتلّ أجنبي، أو في حالة بناء المجتمع بعد الاستقلال. لا شكّ أن التوجيهات الفوقية، التي كانت تتزعّمها النظريات التي تُطالب الأدب بالخدمة العامّة، كان لها دور كبير أيضاً في وضع السؤال الأول، أي "لِمَن يكتب الأديب؟"، في صدارة المشاغل الفكرية للثقافة.

والقضية ليست جديدة، إذ سبق أن نوقشت بقوّة في كثير من الندوات والحوارات، وكانت تشكّل نوعاً من الضمير الخفيّ المعذَّب لكثير من الكتّاب، خاصّةً في العصر الحديث الذي شهد تصاعداً غير مسبوق لمسألة الكاتب والواقع والكتابة والمجتمع، والعلاقة بين هذا وذاك. وكما يعرف كلّ مَن قرأ نقاشات الكتّاب العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، فإنّ أحد المحاور الرئيسية كان محاولة الإجابة عن السؤال: "لِمَن يكتب الأديب؟".

شغلت الإجابةُ عن سؤال لمن نكتب؟ الكتّابَ العرب

يقول حسين مروّة: "إن أدباء كثيرين في التاريخ كتبوا أدباً واقعيّاً كان تعبيراً صادقاً عن القوى التقدّمية الطالعة في مراحل تاريخية". الأمثلة كثيرة بالطبع: سرفانتس وزولا وهوغو وتولستوي. ولكنّ المشكلة التي واجهت كلّ هذه الكتابات التقدّمية، طوال التاريخ، هي أن الفئات التي يكتبون عنها لا تَقرأ، لأسباب كثيرة تخصّها هي في مجتمعاتها، ولا تخصّ الأدب نفسه. فلم يقرأ الفقراء والكادحون أدب تولستوي، أو حتى أدب مكسيم غوركي، المعروف أكثر من جميع الكتّاب بانحيازه الصريح إلى جانب الطبقات الكادحة، لا لأنّه رديءٌ مثلاً، بل لأنهم لا يستطيعون القراءة.

قال حسين مروة إن قراءة الأدب اقتصرت على قلّة ضئيلة من "الخاصّة المثقّفة" في معظم العصور، وهي المشكلة التي تقف بعنادٍ أمام سؤال "لِمَن يكتب الأديب؟". حسناً، إنه يكتب للعمال والفلاحين، ولكنّهم لا يقرؤون ما يكتب. لهذا يقترح تصحيح السؤال، ووضعه في إطار منطقي يقول عمَّن يكتب الأديب، وما هي المشاغل الحياتية التي تشكّل متن الأدب الذي يُنجزه؟

لم تعد لسؤال "الفنّ للفنّ" أو "الفن للمجتمع" ضرورة، والمشكلة ليست لِمَن نكتب، فغالبية الكتّاب العرب وجْهتهم هي الجماهير الأكثر عدداً، بل المشكلة هي: مَن الذي يقرأ؟


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية

المساهمون