عمر زكريا.. مقاربات في الخيال التاريخي

عمر زكريا.. مقاربات في الخيال التاريخي

11 مارس 2021
شاكر حسن آل سعيد/ العراق
+ الخط -

في محاضرته "التخيّل، الخيال والتاريخ"، التي نظّمها "المركز العربي للأبحاث ودراسات التنمية" و"مكتبة الأرشيف" في عمّان أمس، يرى الروائي والباحث عمر زكريا أن خروج التاريخ من إطار عمل المثقف الحرّ وذهابه إلى المؤسسة التعليمية أحدث ذلك الشرخ الكبير بين العمل الأدبي الذي لا يزال المثقف يمارسه بغضّ النظر عن ارتباطه بمؤسسة، وبين والعمل البحثي الذي صار يجب أن يكون محكماً ومحققاً، لينشأ هذا الشرخ بين أدب الخيال التاريخي والبحث التاريخي.

وانطلق في المحاضرة التي تأتي ضمن سلسلة لقاءات "فلسطين في الكتابة التاريخية" بتقديم الباحثة نوّار ثابت، من تقديم عدد من المفاهيم، مشيراً إلى أن المؤرخ يفعّل مجموعة من العمليات الذهنية للإجابة عن الأسئلة التي طرحها في بداية بحثه، ومن هنا وضع عالم الآثار البريطاني روببن جورْج كولنجوود مصطلح "Historical Imagination" الذي يدلّ على الطريقة التي يقيس بها المؤرخ المادةَ التي يدرسها لأنه لا يستطيع دراستها بشكل مباشر.

وحدّد كولنجوود، بحسب زكريا، أربعة أسئلة حتى يفهم أهمية علم التاريخ، وهي: ما هو علم التاريخ؟ وأتى جوابه أنه مثل أي علم آخر يطرح الأسئلة ويسعى للإجابة عليها، وما هو هدف علم التاريخ، وأجاب بأنه معنيّ بالسلوك الإنساني وخارج إطار الإنسان لا يوجد تاريخ، وكيف يطبّق علم التاريخ؟ فيوضّح أنه يقوم على تفسير وتحليل الأدلّة، ولماذا ندرس التاريخ؟ فتكون إجابته من أجل معرفة النفس.

ويعود زكريا إلى محاضرة ألقاها المؤرخ العراقي عبد العزيز الدوري في "الجامعة الأردنية" عام 1969 بعنوان "نظرة إلى التاريخ"، ويلفت فيها إلى أن مدارس التاريخ منقسمة إلى قسمين: فريق يقول إن التاريخ لا علاقة له بالماضي، إنما بمؤثرات الحاضر التي تحيط بالمؤرخ، وبناء عليه قال كروجيه: "التاريخ كله تاريخ معاصر"، وهذا يعني أنه لفهم التاريخ علينا دراسة المؤرخ وزمنه، بينما يذهب الفريق الثاني إلى القول بفقدان أهمية المؤرخ بغياب الحقائق التي يقوم بدراستها، والمؤرخ بلا حقائق "لا جذور له"، وأن المؤرخ هو من يبث الحياة في تلك الحقائق بغض النظر عن المؤثرات التي يتعرّض لها أثناء العمل على دراسته، وهو بالتالي حوار متصل بين الماضي والحاضر.

ثم يتساءل المحاضر حول أزمة مصطلح التخيل التاريخي، انطلاقاً من أكثر من منظور؛ حيث يرى الناقد عبد الله إبراهيم بأنه "آن الأوان لكي يحلّ مصطلح التخيل التاريخي محل مصطلح الرواية التاريخية، فهذا الإحلال سوف يدفع بالكتابة السردية التاريخية إلى تخطي مشكلة الأنواع الأدبية، وحدودها ووظائفها"، فيما استخدم فؤاد خير بك "الخيال التاريخي" بدلاً من التخيل، ويصل زكريا هنا للتفريق بين التخيل وهي الممارسة التي يقوم بها الباحث والفنان، والخيال بمعنى الظن والانعكاس والظل والوهم، وهو المخرج الذي يأتي به الفنان، والتخييل باعتباره صيغة المبالغة لقياس مدى حدوث الخيال في العمل.

كما قدّم تعريفات مختلفة للخيال التاريخي الذي يتفاوت بين خمسة وعشرين أو ثلاثين أو خمسين سنة ماضية تتحدّث عنها الرواية التاريخية، أو أن أحداثها تدور قبل زمان القارئ/ة، كما يحلّل سمات شخصياتها، ليصل إلى سؤال: هل يستطيع الخيال التاريخي الالتقاء مع علم التاريخ لتحقيق أهدافهما؟ متناولاً آراء تولستوي في هذا السياق، وانتقل بعدها للحديث عن نماذج عربية مثل جرجي زيدان وفرح أنطون.

المساهمون