عزّ الدين المناصرة.. ثلاث وثلاثون قصيدة مختارة

عزّ الدين المناصرة.. ثلاث وثلاثون قصيدة مختارة

03 يونيو 2021
(عزّ الدين المناصرة، 1946 - 2021)
+ الخط -

في تجربته الممتدّة لأكثر من نصف قرن، سعى عزّ الدين المناصرة الذي رحل في نيسان/ إبريل الماضي إلى أسطرة اليومي، وقد عرّفها في مقابلة صحافية بالتعامل مع التاريخ والمكان باعتبارهما حياة حقيقية، متكئاً في قصيدته على ثلاثة منابع أساسية: الموروث العربي، والموروث الكنعاني، والموروث الإسلامي والمسيحي.

فهم الشاعر الفلسطيني (1946 – 2021) هذه المعادلة الصعبة، التي تعني بالضرورة تمسّكه بالجذور من خلال استعادة التراكم الحضاري عبر آلاف السنين الذي صاغ شخصية الفلسطيني وهويته، لكن دون أن ينفصل ذلك عن رؤية نقدية معمّقة تجاه الواقع العربي والفلسطيني واشتراطاته، من دون الانجرار وراء شعاراتية استعراضية لم ينجُ منها سوى القليل من مجايليه.

يستعيد الشاعر الراحل التراكم الحضاري عبر آلاف السنين الذي صاغ شخصية الفلسطيني وهويته

"من عِنَبِ الخليل.. إلى كنعانياذا" عنوان المختارات الشعرية للمناصرة التي صدرت حديثاً عن "دار العائدون للنشر والتوزيع" في عمّان، وضمّت ثلاثاً وثلاثين قصيدة، وتصدّر الغلاف الذي صمّمه رائد قطناني لوحة للفنان مصطفى الحلاج.

استمد العنوان من مجموعته الأولى "يا عنب الخليل" التي أصدرها في القاهرة عام 1968 و"كنعانياذا" التي نُشرت في بيروت سنة 1981، لكون المجموعتين "تختصران إلى حد ما الكثير من تفاصيل تجربة الشاعر، لجهة اهتمامه بالتراث الفلسطيني وبمدينته الخليل، ولجهة انشغاله بالأساطير الكنعانية"، بحسب الناشر.

افتتحت المجموعة بقصيدة "نصائح"، التي يستهلّها المناصرة بقوله: "حين تكون الجملة مخفيّة/ بدهاليز الفتنة أو في قلب الريح/ وتكون الجملة ضوءاً يجهل زيت القنديل/ لا تشرحْ أسرار المنديل/ بل يكفي أن تتركَ شيئاً للقال وللقيل/ يكفي أن تتركَ للقارئِ فسْحة صمتٍ بيضاء/ من أجلِ التأويل".

الصورة
غلاف الكتاب

يذهب في قصيدة "مذكرات البحر الميت" إلى استعادة الأناشيد الكنعانية في غنائيتها الرعوية، من أجل رسم ذاكرة متصلة غير متقطّعة لفلسطين يبرع في سرد الحكايات والغوص في سير الأمكنة ، وكأنها تنسج حاضرها بروح ماضيها، وتنظر إلى تاريخها بوعي راهنها، فيكتب: "جدي كنعان.. بحّار بدوي/ يوزّع الحروف الجديدة واللغات غير الدارجة/ قيل: جاء على فرس من عسير/ وعلى مركب أبيض من كريت/ قيل: مهرٌ من اليمن، في سفينة أثينية/ لكنه من جنوب فلسطين، حيث الحروف/ فسائلها تفرعنت في العالم/ كان يخلط الحنين، بالزجاج والفخار/ ثم يسقيه بدمع الأرجوان/ يصلّي في الجامع الأبيض في صور/ يقرأ الصحف الخضراء في حيفا/ يشرب الخمور الفاخرة في مطعم البحر/ حيث الرذاد، يجيء له بالأخبار العتيقة/ النورس الكلب، لم يقرأ العدد الصادر حديثاً/ يطلب الثأر، قدّام حجر مؤاب/ يأتينا آخر الليل من غوطة الشام/ عيناه حمراوان، بلون أصداف صيدا/ شعره مشعّث، كغابات الأمازون/ وإذا لم تصدقوني اسألوا سهل البقاع".

هكذا تحتشد الأمكنة في شعر المناصرة خريطة من الأحلام والأساطير والتخيّلات الممتزجة بالواقع ورسوخ حقائقه، فهي تارة تبدو مكاناً واحداً يحنّ إليه الشاعر في مسقط رأسه؛ مدينة الخليل، التي لم يتحقّق حلمه بأن يدفن فيها، وتعكس هذه الأمكنة تارة أخرى تنقله بين العديد من المدن نحو خمسة عقود من الزمان يبحث عن معنى يتجاوز المكان نفسه ويحيل إلى ارتحال أبدي في الزمن.

تضمّ المختارات قصائد مثل: يتوهّج كنعان، وأكثر ما يعجبني فيك، وسطور، ومدينة تدور حول نفسها، وبالأخضر كفناه، وأمرؤ القيس يصل فجأة إلى قانا الجليل، وجفرا أمي.. إن غابت أمي، ولا لا.. فاطمة، وحصار قرطاج، وشكوى أمام دالية الأرجوان، وموشح الانصراف، وقاع العالم، ووصية، ولن يفهمني أحد غير الزيتون، واختتمت بسيرة ذاتية للشاعر وملحق يضمّ صوره في محطات مختلفة من حياته، وبعضها يجمعه بعدد من الشعراء منهم سميح القاسم وعبد الكريم الكرمي وممدوح عدوان وسعدي يوسف وصلاح ستيتية وحنا أبو حنا وآخرون.
 

المساهمون