ضرغام شتية: عمّان وفضاءاتها العامّة
أسهمت الزيادة المطردة في عدد سكّان عمّان والتحولات المختلفة التي تعيشها في ظهور أحياء عشوائية للفقراء وأُخرى حديثة ومتطورة للطبقات الغنية، وهو ما نتج عنه عدم مساواة وتباين بين أحياء المدينة والإقصاء الاجتماعي.
في كتابه الصادر حديثًا عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، بعنوان "الفضاءات العامة في مدينة عمّان: بين التنوع الحضري والتباين الاجتماعي"، يتناول الباحث ضرغام شتية التحديات والتحولات التي تواجه المناطق الحضرية في العاصمة الأردنية، مثل الهجرات المتزايدة إليها، وزيادة عدد سكانها وتغيرات أنماط حياتهم وسلوكهم.
ومن خلال دراسة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمكانية في الفضاءات العامة وتحليلها في العبدلي الجديد ومركز البلد القديم، يبحث شتية في تأثير ظهور الفضاءات الحديثة في مدينة عمّان، ومدى تناقضها واختلافها مع الفضاءات القديمة، خاصةً في مركز المدينة القديم (البلد)، وإسهامها في نشوء التباين والاستقطاب الاجتماعي بين أحياء المدينة.
يستند في دراسته إلى مناقشة فكر هنري لوفيفر في الفضاءات العامة وتحليله
ويستند شتية في دراسته إلى مناقشة فكر هنري لوفيفر في الفضاءات العامة وتحليله، ومناقشة أثر العولمة وما ترتب عليها من سياسات الليبرالية الجديدة، وأهم أدواتها الخصخصة، في خلق التناقض والتباين والتنافس بين الفضاءات العامة، ولا سيما الفضاءات القديمة، والفضاءات الحديثة التي صُمِّمت على أسس ومعايير عالمية موحدة.
يتألّف الكتاب من سبعة فصول، يضم كل فصل مجموعة من المحاور. يتضمن الفصل الأول بعنوان "الإطار العام للدراسة"، مشكلة الدراسة وأهدافها ومنهجيتها وإطارها النظري والدراسات السابقة.
في الفصل الثاني وعنوانه "مفهوم الفضاء العام وتطوره التاريخي"، يناقش شتية مفهوم الفضاء العام من وجهات نظر متعددة، وكذلك الفرق بين الفضاء والمكان، والفرق بين الفضاء العام والفضاء الخاص والعلاقة بينهما، وأهم أنواع الأنشطة التي تتم في الفضاء الحضري العام، كما تتبّع باختصار التطور التاريخي للفضاء العام من المدينة الإغريقية القديمة حتى مدينة ما بعد الصناعة.
وفي الفصل الثالث، "نظريات ظهور الفضاءات العامة في المدينة ودور العولمة والنيوليبرالية"، يتفحّص الباحث فكر هنري لوفيفر ونظريته في إنتاج الفضاء العام، وكذلك مفهوم الفضاء العام وتطوره والعوامل المؤثرة فيه عند يورغن هبرماس. وناقش فيه العولمة والنيوليبرالية وأثرهما في الفضاءات العامة وخلق التباين بينهما، إضافة إلى مناقشة قضية التحول الحضري الذي شهدته معظم مدن العالم، خصوصًا في الدول العربية؛ الأمر الذي أدى إلى ظهور فضاءات عامة مختلفة ومتباينة.
في الفصل الرابع، الذي حمل عنوان "عوامل نشأة التباين في مدينة عمّان وأثره على طبيعة الفضاءات العامة"، يتناول شتية مدينة عمّان وتطورها، تاريخيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا ومكانيًّا، من أجل فهم الاستقطاب والتناقضات الحالية الموجودة في المدينة، والعوامل التي ساهمت في خلقها. كما يناقش دور تدفق البترودولار والتطور الاقتصادي وتبنّي سياسات النيوليبرالية والإصلاحات الاقتصادية والخصخصة والظروف السياسية والأمنية في المنطقة، التي دفعت بالعديد من الهجرات إلى المدينة، وتأثير ذلك في ظهور فضاءات حديثة ومميزة من الفضاءات القديمة، وكذلك دور تلك التطورات في التوسع الجغرافي لمدينة عمّان، والتحول الحضري وتوسيع الفجوة بين شرق المدينة وغربها.
وفي الفصل الخامس، "التنوع الحضري والتباين الاجتماعي في فضاءات مدينة عمّان: حالة دراسية (العبدلي الجديد ومركز المدينة القديم)"، يناقش الباحث أهم أنواع الفضاءات العامة وأشكالها في مدينة عمّان، مركّزًا على العبدلي الجديد والبلد بصفتهما يؤلفان حالة دراسية ومثالًا واضحًا على التنوع الحضري والتباين الاجتماعي في فضاءات مدينة عمّان، من حيث موقع كل منطقة منهما، وحدودها ونشأتها وتطورها وأشكال الفضاءات العامة فيها وخصائصها، وكيفية تفردها واختلافها عن الفضاءات الأخرى.
وتحت عنوان "تحليل التنوع والتباين ومناقشتهما في الفضاءات العامة في منطقتي الدراسة"، يُقدّم شتية عرضًا للمسح الميداني وتحليله من خلال مناقشة بيانات الاستبيان والمقابلات والملاحظات الشخصية وربطهما بالدراسات السابقة والفكر النظري. وحلل فيه كل منطقة وفضاءاتها العامة، من حيث خصائصها المادية، وأنواع السلع والخدمات، واستخدامات الأرض، وخصائص أصحاب المحال التجارية والعاملين فيها، وطبيعة تلك المحال وخصائصها المختلفة، إضافة إلى تناول الخصائص المختلفة للأفراد الذين يرتادون تلك الفضاءات، وتفضيلاتهم التسويقية، وأنواع الأنشطة والتفاعلات التي يقومون بها وأهدافهم من الزيارة، وسلوكهم تجاه تمضية أوقات الفراغ، وكذلك درجة رضاهم عن الفضاءات العامة والخدمات فيها، ملخّصًا ذلك بجدول يعرض فيه أهم معايير المقارنة بين منطقتي الدراسة.
في الفصل السابع والأخير، "نتائج وتوصيات"، يناقش شتية نتائج بحثه، مقترحًا عددًا من التوصيات؛ منها إجراء المزيد من الدراسات حول نوعية الفضاء العام الملائم والمتلائم مع طبيعة السكان، وضرورة دعم المشروعات ذات المنفعة العامة، كالفضاءات العامة المفتوحة في المناطق القديمة والشعبية، على نحو متوازن مع الاستثمارات الموجهة للمشروعات الخاصة، وتحسين شبكة المواصلات وتنويع وسائلها، وتطوير الفضاءات العامة في مركز المدينة القديم وتزويدها بالأثاث والخدمات الملائمة، وتخصيص أجزاء منها للمشي والتسوق، وإيجاد فضاء عام يحتوي على أكبر قدر من الفئات الاجتماعية في عمّان، وربما المكان الأنسب هو مركز المدينة القديم في حال تطويرها وتحسين شبكة المواصلات وتشجيع عقد المناسبات والفعاليات فيها، وإشراك المجتمع المحلي في تخطيط الفضاءات العامة وتصميمها؛ وإنشاء فضاءات عامة متنوعة في أرجاء عمّان كافة.
يُذكَر أنَّ ضرغام شتية باحث فلسطيني من مواليد قرية تل في قضاء نابلس. حاصل على الدكتوراه في الدراسات الحضرية والاقتصادية والاجتماعية من الجامعة الأردنية عام 2019. عمل محاضرًا غير متفرغ في عدد من الجامعات الفلسطينية، ونشر العديد من البحوث العلمية في مجلات عربية وأجنبية.
