صوت جديد: مع غادة بن صالح

صوت جديد: مع غادة بن صالح

06 نوفمبر 2021
غادة بن صالح
+ الخط -

تقف هذه الزاوية، من خلال أسئلة سريعة، مع وجه جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "ثقافتنا موسمية والكتّاب يحاولون اقتلاع مكان وسط المواسم" تقول الكاتبة التونسية في حديثها إلى "العربي الجديد".


■ كيف تفهمين الكتابة الجديدة؟
الكتابة الجديدة هي مزيج من كلّ ما يشمله العالم، ليست مجرّد كلمات وجمل تأتي في فقرات منمّقة. أعتقد أن الكتابة الجديدة قد تجاوزت مفهوم الكتابة عن الهواجس أو الشواغل أو القضايا لتقتحم عالماً لا حدود له من الخيال، وعبر هذا العالم تطرح ما يشغلها وما يثيرها من تساؤلات. أؤمن كثيراً بالواقعية السحرية: المزيج العجيب بين المجتمع والسياسة والدين والجنس والفلسفة والأدب والمواطن البسيط، بالإضافة إلى عوالم الفانتازيا والسحر والرعب والجرائم والخيال العلمي... أؤمن بأن الكتابة الجديدة تحتاج انفتاحاً كاملاً وتجرّداً من كلّ الضوابط، وانطلاقاً كبيراً في رحلة نحو الداخل وليس نحو الخارج. أحاول أن أكون كاتبة تتّبع هذا المنوال، ولكنني مع كل كتاب أنتجه، أكتشف نفسي أكثر وأكتشف ما أنا قادرة على فعله.


■ هل تشعرين بأنّك جزء من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟
الحقيقة أنني لم أشعر أبداً أنني أنتمي إلى حركة أو جيل أو تيّار معيّن. أعتقد أن هذا الجيل يتّسم بصفات رائعة عديدة ولكنّني لا أرى أنّ هناك جيلاً أدبياً ناشئاً على الرغم من وجود محاولات أدبية محترمة. أؤمن بأن الكتّاب الشباب يعانون الآن أكثر من أيّ وقت مضى (تعقيدات النشر، مغريات التكنولوجيا، عزوف الناس عن المطالعة، غلاء أسعار الكتب، وعدم توفّر الإمكانيات أو الدعم)، لذلك ترى الكثيرين يجرّبون إصدار كتاب أو اثنين ثم يعزفون عن الكتابة. أعتقد أن من بين الناس القلائل الذين داوموا على الكتابة هناك من أسميهم "الصامدون": صامدون ضد واقعهم وضد أنفسهم أيضاً، إلى أولئك أنتمي.


■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟
علاقتي رائعة مع الأجيال السابقة. لقد تربّيت في بيوت أجدادي، ونشأتُ وأنا أرى جدي لأمّي يقرأ ويكتب ويُنتج روايات وكتباً عديدة. أستمتع كثيراً بالتحدّث إلى الكبار وأعيش معهم ذكرياتهم وسنوات شبابهم عبر الكلمة وعبر الخاطر. يسعدني كثيرًا أن أكتشف التاريخ عبر ذكرياتهم، وخاصّةً أن أتعلّم منهم حتى لو اختلفت معهم. أعتبر الحديث مع مَن هم أكبر مني مصدر إثراء فكري وإنساني. عائلتي تقدّس الكتب وقد ربّتني على هذا الأمر منذ حداثتي، لذلك ما زلت إلى حدّ الآن أناقش أبي وأمي في ما أقرآه ونتبادل دائماً كتباً في ما بيننا.


■ كيف تصفين علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟
في تونس، ما زلنا لا نتمتّع ببيئة ثقافية بالمعنى الحقيقي للكلمة. "بيئة ثقافية" تعني مسارح ودور سينما وتظاهرات عديدة ومهرجانات واحتفاليات وإنتاجاً غزيراً وكتباً ومقطوعات موسيقية وعروضَ أوبرا؛ أين كل هذا في تونس؟ الثقافة في تونس كانت ولا تزال موسمية وما زال كلّ المبدعين يحاولون اقتلاع مكان وسط هذه المواسم. أنا أتبنّى منطق العزلة من هذا المنظور؛ لا أكتب للمواسم ولا أنتظر إحسان وزارة الثقافة؛ أكتب لنفسي أوّلاً وأؤمن أنّي سأستطيع في المستقبل الكتابة لكلّ العالم، ثانياً. حينها، ربما، سأستطيع أن أرى بيئة ثقافية في تونس. أقول ربما.


■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟
أنهيت كتابي الأول، وهو رواية بعنوان "دورين"، في آب/ أغسطس عام 2016، في بيروت، في شرفة فندق قديم بشارع الحمراء. أرسلت الرواية كاملةً لناشري الأوّل: دار "سوتيميديا"، وحين عدت إلى تونس في تشرين الأول/ أكتوبر من ذلك العام، انطلقت رحلتي مع النشر حينها. استغرق الأمر شهوراً لينتهي إصلاح الرواية كاملةً، وقد طُبعت في آذار/ مارس 2017. كان عمري حينها 26 عاماً.


■ أين تنشرين؟
بدأت رحلة النشر مع دار "سوتيميديا"، وقد كانت تجربة جميلة. لم أقرّر بعْدُ إن كنت سأستمرّ في النشر مع الدار نفسها أو أبدأ في التعامل مع دور نشر على المستوى العربي. أنا أطمح للعالميّة، لذلك ستكون خطواتي في النشر منظّمة ومنهجية، حسب الهدف الذي أريد الوصول إليه.


■ كيف تقرئين وكيف تصفين علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟
أصف علاقتي بالقراءة كالآتي: رائعة، وطيدة، عفوية ولكنّها منظّمة أيضاً. مثلاً، حينما أكتشفُ كاتباً جديداً عن طريق الصدفة، أخلق معه نظاماً معيّناً ومنهجيّةً تسمح لي باكتشاف كلّ ما كتبه. أقرأ كلّ شيء مع الروايات: أقرأ في التاريخ والعلم والفلسفة والموضة وتجارب الحياة، أستمع أيضاً إلى البودكاست المسجَّل، وأقرأ نقد الكتب والأفلام، والكتب التِّقنية في المجالات التي تهمّ اختصاصي، سواء في عملي أو في نشاطي ضمن المجتمع المدني. لا أستطيع أن أتخيل يوماً من دون مطالعة، أو شهراً من دون كتاب جديد.


■ هل تقرئين بلغة أخرى إلى جانب العربية؟
أقرأ أيضاً بالفرنسية والإنكليزية. حاليًا أركّز أكثر على اللغة الإنكليزية.


■ كيف تنظرين إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تكوني كاتبة مترجِمة؟
أنظر إلى الترجمة كنافذة تتيح لي الاطّلاع على كنوز من الكتب من ثقافات وبلدان أخرى. لولا الترجمة لما تسنّى لي اكتشاف أدب أميركا اللاتينية الذي أعشقه ولا أملّ من قراءته. لم تتسنّ لي الفرصة بعد أن أكون كاتبةً ومترجمة، ولكن إن أتتْ فلن أرفضها، فأنا أمارس الترجمة بطريقة عفوية وتلقائية في أعمالي المتعدّدة كالتدريس أو خلق البرامج للشباب وغيرها. أصبح فعْلُ الترجمة فعلاً حيوياً في حياتي، وخاصّة أنني أتقن ثلاث لغات وأستطيع التنقّل بينها بسهولة.


■ ماذا تكتبين الآن وما هو إصدارك القادم؟
أعمل حاليا على روايتين. الأولى عنوانها "قصر موزارت"، توثّق رحلتي وفترة إقامتي في بيروت، في إطار برنامج تبادل ثقافي. اكتشفتُ حينها ثراء الأوطان العربية وما دمّرته الحروب والسياسة والتجاذبات الدينية في نفوسنا. أتوقّع أن أنهي هذه الرواية في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري. أمّا روايتي الأخرى، فهي بعنوان "عشق يوزارسيف"، وهي تجربتي الأولى في الغوص بين عالمين مختلفين في أزمنة مختلفة، تدور أحداثها بين عصر النبي يوسف، وقصّة كفاحه، وبين يوسف الحالي الذي يحمل روح يوزارسيف في قلبه ولكنّه يعيش في واقع معادٍ لكلّ ما هو مختلفٌ وغريب. 


بطاقة
كاتبة تونسية من مواليد 1990. صدرت لها رواية أولى بعنوان "دورين" في عام 2017 عن دار "سوتيميديا"، كما شاركت في كتب جماعية مع "اتّحاد الكتاب الأحرار" و"منشورات وليدوف". تعمل حالياً على مشروعين روائيّين، هما: "قصر موزارت" و"عشق يوزارسيف".

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون