استمع إلى الملخص
- تحدث الممثل سهيل الجباعي عن تجربته المسرحية منذ الثمانينيات، مؤكدًا على دور المسرح في طرح الأسئلة، وتأثره بشقيقه الراحل غسان الجباعي في توجيهه نحو الفن.
- يشدد الجباعي على أهمية الحرية في المسرح، داعيًا إلى جعله فضاءً للفكر والجمال، ومؤكدًا على ضرورة تعزيز الحرية لازدهار الفن المسرحي.
ضمن موجة العروض الجديدة التي بدأت تشهدها مسارح المُدن السورية اليوم، أُقيم على خشبة "مسرح قصر الثقافة" في السُّويداء (100 كم جنوب دمشق)، أخيراً، العرضُ الأول في المدينة لفرقة محلّية "فنَّانون: محترَف المسرح وفنون الأداء"، بعد سقوط النظام الدكتاتوري، وهو عبارة عن قراءات مسرحية بعنوان "غني وثلاثة فقراء"، عن نَصٍّ للفرنسي لويس كالَفيرت (1928 - 1994)، وقّعته المُخرجة رغد شجاع، وشارك في تمثيله الفنّانان: سهيل الجباعي وبثينة شَيّا، فيما وضع موسيقاه أشرف أبو مرّة.
كان لـ"العربي الجديد" حديثٌ مع المُمثّل والمسرحي السوري سهيل الجباعي، افتَتحه مُتأمِّلاً أحوال بلادنا من سوريّة إلى غزّة مروراً بلبنان، مُوضّحاً أنّ "ما حدث في سوريّة ولبنان، وما جرى من إبادة جماعية في غزّة، هو - لا شكّ - عارٌ على جبين الإنسانية، وعجزٌ تامٌّ لقدرتها على مواجهة القتل، والتهجير، والدمار المُمنهَج الناتج من أهواءٍ ومطامع احتلالية". ويُتابع متسائلاً: "ما يشغلُني، حقيقةً، سؤالٌ يعود لسنوات طويلة: لماذا علينا دائماً أن ندفع أثماناً باهظةً؟ لماذا لا نستطيع أن نعيش كباقي البشر والأُمم التي تنعم بالهدوء والسلام، ونحن نمتلك كلّ المقوّمات لذلك؟ لماذا علينا إمّا أن نُقاتِل مُحتلّاً، وإمّا أن نُواجِه استبداداً؟ لماذا تكون الحُرّية حلماً بدلاً من أن تكون واقعاً معيشاً؟".
من هذا الحديث العامّ، يدلف المسرحي السوري (1963) إلى خصوصية العرض الأخير الذي يُشارك فيه، يقول لـ"العربي الجديد: "يصلُح هذا النَّصّ، الذي كتبه الفرنسي لويس كالَفيرت عام 1986، لأن يُجسَّد من خلال مجموعة من المُمثِّلين، وربّما مع القليل من الديكور والأزياء، ويكون على شكل مَشاهد مُنفصلة، أو لنقُل لوحاتٍ مسرحية، كلُّ لوحة تحمل عنواناً مُختلفاً يُعبّر عن مضمون المشهد. وللنَّص مزايا عديدة، منها قوّة الكلام واختزال الحالة وتكثيفها، وهو يتحدّث عن العُنف السياسي والاجتماعي، وهذا ما شجّع المُخرجة رغد شُجاع على أن تُقدّمه على شكل قراءة مسرحية، كما يُمكنك تقديمه في قاعة أو صالة أو حتى في مقهى ربّما. لكنّ ميزته الأهمّ تتمثّل بأنه يُمكِّن الجمهور من مُتعة الإصغاء، فنحن بحاجة ماسّة إلى الإصغاء الجَيّد وإلى الكلام المُهمّ، ومن ثمّ محاولة تخيُّل المشهد من خلال هذا الكلام".
استعادة نَصّ حول العُنف السياسي والاجتماعي للويس كالَفيرت
قبل عَرْضه خلال العام الجاري، سبَق لـ"غني وثلاثة فقراء" أن قُدِّم بنسخة أُولى عام 2018، بفوارق وإضافات من صانِعي العمل، ناجمة عن تغيُّر الزَّمنين في سورية، وحول هذا التفصيل يتحدّث الجباعي: "العرض هو نفسه باستثناء فاصلَين خارج سياق النصّ وُضِعا للإشارة فقط إلى الحدث المهمّ المتمثّل بإعلان حرّية سورية من الطاغية، وهُما فاصلان هزليّان بطابع كوميدي، الأول بعنوان: 'غينيول والدكتاتور'، والثاني 'غينيول والسياسي'".
كذلك يتطرّق الجباعي إلى موقع هذا العرض من تجربته المسرحية التي تمتدّ إلى أواسط ثمانينيات القرن الماضي، ويرى فيه "إضافةً جميلة لمجموعة من التجارب العديدة التي قمتُ بها في المسرح. إذ سبق أن قدّمتُ مثل هذه التجربة في عمان بـ"مهرجان الأردن المسرحي" عام 2004، وكان صاحب الفكرة الكاتب التونسي عز الدين مدني، عن نصّ مُجتزَأ من إحدى أعماله المسرحية".
طوال أعوام الثورة، ورغم مواقفه المُعارِضة، آثَر الجباعي خيار البقاء في سوريّة، فاشتغل في ظروف "واقع مرير"، كما يقول، متمسّكاً بأمل أنّ التغيير لا بدّ آتٍ في جوٍّ ساده اليأس والقنوط، وعن هذه المرحلة التي امتدّت لقرابة أربعة عشر عاماً، يتحدّث: "الخروج من البلد كان خياراً للكثير من السوريين، وأنا أتفهّم ذلك وأحترم هذا الخيار. لكن على المستوى الشخصي، كنتُ دائماً أحاول التمسُّك بفكرة أنّ النِّظام الخائن والمُجرم يدفع كلَّ من ليس معه إلى المُغادرة، والإبقاء على مجموعة الجَهلة والانتهازيّين المُستفيدين من بقائه كي يسود عليهم، ولا أُخفيك أنني في مرحلة ما فكّرت في الرحيل، لكنّني آثرتُ البقاء لأنني كنتُ على يقينٍ لا يقبل الشكّ، بالرغم من حالة انسداد الأفق وحالة القنوط واليأس، بأنّ النظام سيسقط لا محالة، ولا أُريد أن أفوّت على نفسي عيشَ تلك اللحظة التاريخية، والحمد لله هذا ما حصل. ومن جهة ثانية كنتُ متحفّظاً كثيراً على كلمة لاجئ، لما في تجربة اللجوء من ألم وعذاب وخوف وترقُّب وخيبة أمل، والقليل القليل من العمل. أنجزتُ خلال أربعة عشر عاماً ثلاثة أعمال مسرحية وبعض الأعمال التلفزيونية. وكنتُ أقوم بذلك لسببين أساسيّين: الأول هو الحاجة المادّية في ظلّ ظروف صعبة، والثاني للقدرة على مواجهة هذا الواقع المرير".
يتزامن مع عروض سورية جديدة بعيدة عن الرقابة الأمنيّة
وضمن سياق الحديث عن الحُرّية والمواجهة مع السّلطة، يستذكر المُمثّل والمسرحي السوري تجربة شقيقه الراحل المخرج والكاتب الراحل، والمعتقل السياسي السابق، غسان الجباعي (1952 - 2022)، بالقول: "كان غسّان أخي في المنزل، وصديقي في الحياة، ومُعلّمي وزميلي في المسرح، كان هو السبب الرئيسي الذي جعلني أُفكّر في الفنّ، والمسرح تحديداً، كان يصطحبني معه إلى المسرح والبروفات عندما كنتُ صغيراً، ومن هناك بدأت الحكاية. وهو الذي دفعني إلى أن أتساءل دائماً عن معنىً لهذا الوجود، ومن ثمّ أبحث عن الإجابات. هو صديق ومعلّم بكلّ معنى الكلمة، دفع من حياته عشر سنوات، من 1982 إلى 1992، في سجون الطاغية: 'تدمر' أولاً ثم 'صيدنايا'، ثمناً لمُقارعة الاستبداد ومناصرة الحقّ والوقوف إلى جانب المظلومين. وبعد خروجه من السجن حُرم السفر، وجرت محاربته ومحاولة تهميشه، ولأنه فنّانٌ حرّ استطاع بإرادته الصلبة، ومن خلال المسرح والرواية والقصة القصيرة والشعر أن يُكمِل مشوار نضاله الشرس، ووقوفه بوجه الدكتاتور بكلّ تصميمٍ وجُرأة. كان على يقين، منذ اللحظة الأُولى، بأن هذا النظام سيسقط، ولكن المسألة كانت مجرّد وقت. وقد أتت هذه اللحظة التاريخية للشعب السوري الذي دفع ثمناً باهظاً لأجل حرّيته والخلاص من هذا الكابوس اللعين. وأجزم الآن بأنّ غسان سعيدٌ بهذا الإنجاز الكبير للشعب السوري العظيم".
رحلة سهيل الجباعي مع المسرح حافلة بالأسئلة، وهنا سألت "العربي الجديد"، إن كان الفنّ الرابع قد أجابه عن أسئلته، ليقول: "منذ القدم، كان المسرح فضاءً رَحباً لطرح الكثير من الأسئلة، كما كان في الوقت عينه يُحاول الإجابة عنها، مسكوناً بالحقيقة والخيال وكذلك الجمال. من خلال تجربتي، التي تمتدّ لحوالى عشرين عرضاً مسرحيّاً في سورية والعالم العربي وفرنسا، فضلاً عن مشاهدتي الكثير من العروض المسرحية العربية منها والأجنبية، وخصوصاً في المهرجانات، كنتُ أقترب من ملامسة الحقيقة والإجابات الكثيرة التي تعتمل في رأسي، والشيء الوحيد الذي حصلتُ عليه من خلال هذا الفنّ العظيم، قدرته على خلق عوالم جديدة وجميلة وأخّاذة وطرح أخطر الأفكار والتلاعب الجميل بالمشاعر وتحريكها، عالمٌ ساحر بامتياز يستحقّ أن يُعاش".
ويختم حديثه مع "العربي الجديد": "التحدّيات التي نواجهها كبيرة وخطيرة في الوقت نفسه، المسرح يحتاج إلى فضاءٍ رحبٍ من الحرّية وإلى الانتشار بكل مدينة وقرية وحَيّ، كي يكون نسغاً أو شرياناً رئيسياً يُغذّي الأطفال والكبار بالفكر والثقافة والفنّ والجمال، ويكون في الوقت نفسه مكاناً للمُتعة والفرجة وتحريك الخيال والتحليق في عوالم سحرية وأخّاذة. المسرح يحتاج إلى الحرّية، ثمّ الحرّية، ثم الحرّية".
بطاقة
ممثّل ومسرحي سوري، من مواليد السويداء عام 1963، حاصلٌ على بكالوريوس في التمثيل من "المعهد العالي للفنون المسرحية" بدمشق عام 1987. له في المسرح أكثر من عشرين عملاً، منها: "الأمير الفقير"، و"القطّ أبو جزمة"، و"يقظة الربيع"، و"حكاية الشتاء"، بالإضافة إلى ما يزيد على أربعين عملاً تلفزيونياً، في سورية والعالم العربي، من أبرزها: "صلاح الدين الأيوبي"، و"عمر الخيام"، و"الاجتياح"، و"الشمس تُشرق من جديد".