سمير ساسي: سؤال السلطة في الفكر السياسي الإسلامي

سمير ساسي: سؤال السلطة في الفكر السياسي الإسلامي

04 يونيو 2021
من عمل لصلاح شاهين/ الأردن
+ الخط -

شكّل موضوع نظام الحكم في الإسلام واحداً من أبرز الموضوعات التي جرى تناوُلها بكثرة ضمن "فقه السياسة الشرعية"؛ حيث برزت الرؤى المختلفة عن تنظيم السلطة في دولة الإسلام، وعن السلطة بين النص المؤسِّس والتاريخ الواقعي. لكن حالت زوايا التناول والاختلاف المذهبي والسياسي وإشكالية العلاقة بين النص والتاريخ كلها دون غلق باب البحث مجدّدًا في هذه القضايا.

عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر حديثًا ضمن سلسلة "أطروحات الدكتوراه"  كتاب "مشروعية السلطة في الفكر السياسي الإسلامي"، للباحث التونسي سمير ساسي، وفيه يقارب كيف أسس فقهاء السياسة الشرعية في العصر الإسلامي الوسيط لمسألة مشروعية السلطة، وحدودها وتأثيراتها في الفكر الإسلامي عمومًا، التاريخي منه والمعاصر، وأثر ذلك في تجربة الاجتماع السياسي الإسلامي ونظامه.

يتألّف الكتاب من ستة فصول موزّعة في ثلاثة أقسام. في القسم الأول "المفاهيم المؤسسة للمشروعية"، ثلاثة فصول. في الفصل الأول "المفاهيم السُّنية المؤسسة للمشروعية"، يرى ساسي أن مشروعية السلطة لدى فقهاء أهل السُّنة والجماعة في العصر الوسيط قامت على جملة من المفاهيم التي ارتبطت برؤية أهل السُّنة لمسألة الحكم وعلاقتها بالعقيدة؛ وهي: الطاعة والمصلحة والاختيار والشورى وولاية العهد وأهل الحل والعقد والغلبة بالشوكة وأهل الوقت.

في الفصل الثاني "المفاهيم الشيعية المؤسسة للمشروعية"، يرى ساسي أن المفاهيم الشيعية المؤسسة للمشروعية تترابط سببيًا؛ "فالقول بالنص والعصمة والوصية يفضي إلى رفض القول بإمامة المفضول مع وجود الأفضل. ويمكننا أن نقف على تقسيم ثنائي للمفاهيم الشيعية المؤسسة للمشروعية. في القسم الأول، تجسد مفاهيم النص والوصية والعصمة وعدم جواز إمامة المفضول على الفاضل التعبيرات الدينية والسياسية للرؤية الشيعية التي تقول بالأساس الديني للسلطة، في مقابل ثنائية النص والاختيار التي تقول بها السُّنة، في حين برز مفهوم الغيبة والتفويض أو ولاية الفقيه ونيابته عن الإمام المعصوم، محاولة للخروج من حالة الفراغ التي عاشها الفقه السياسي الشيعي بعد غيبة الإمام، ومحاولة للإجابة عن إشكالية من يمنح مشروعية ممارسة السلطة في غياب الإمام، أهوَ الفقيه أم الأمة أم كلاهما؛ فالغيبة أخرجت الشيعة من المأزق النظري الذي يفرضه القول إن لا مشروعية للسلطة خارج مرجعية الإمام، وأمام عجز الشيعة الواقعي عن تغيير موازين القوة مع السلطة القائمة. وبصرف النظر عن أسباب الغيبة الدينية التي يقول بها الشيعة، فإن الغيبة مثّلت مخرجًا عمليًا ونظريًّا سمح للشيعة بالاحتفاظ نظريًّا بعدم إقرار مشروعية السلطة الغصبية التي تُجسّدها سلطة أهل السُّنة. وفي الوقت نفسه، فتح الباب عمليًا للتعامل معها بما يحفظ حقوق الطائفة، وجاء مفهوم التفويض دعمًا لمحاولات الشيوخ المؤسسين من فقهاء الشيعة في اتجاه تجاوز حالة الفراغ".

مشروعية السلطة في الفكر السياسي الإسلامي - القسم الثقافي

في الفصل الثالث "المفاهيم المشتركة بين الشيعة والسُّنة"، يبين ساسي أن أهل السُّنة والشيعة الإمامية يتفقون في اعتبار العدل من مفاهيم التأسيس لمشروعية السلطة، بل هو جوهر هذه المشروعية؛ "فالعدل عند الشيعة لا ينفصل عن الطبيعة المقدسة للإمام، في حين هو شرط صحة عند السُّنة، لا تستمر السلطة إلا به. وهذا الخلاف يُبرز، على الرغم من اختلاف منطلقاته، قيمة هذا المفهوم في التأسيس لمشروعية السلطة. وبسّطنا القول آنفًا في علاقة العدل، حضورًا وغيابًا، بمشروعية السلطة، ووقفنا على أن العدل يُمثل جوهر نظام الحكم والمحدد لعقد الإمامة والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، مثل ما صاغه الفقهاء من أهل السُّنة أو من الشيعة، لكن الصياغة كانت صياغة نظرية لم تمنع وجود تعامل واقعي مع السلطة القائمة المنحرفة عن مبادئ العدالة، وذلك من منطلق مراعاة المصلحة، مصلحة الأمة عند أهل السُّنة ومصلحة الطائفة لدى الشيعة الاثني عشرية".

في القسم الثاني، "مرجعية المشروعية"، فصلان. بحسب الفصل الرابع، "المرجعية السُّنية للمشروعية"، إن قيام المرجعية على مبدأ الحاكمية يجعلها مُتعدّدة؛ نظرًا إلى اختلاف المتعاملين مع النص الأصلي ومصادر التشريع، قراءةً وفهمًا وتنزيلًا، ومتجدّدةً ومرنة بحسب الزمان والمكان، وهذا ما عبّر عنه الفقهاء بمفهوم "أهل الوقت"، وهي مرجعية تابعة، لا تخرج عن إطار النصوص الأصول.

في الفصل الخامس، "المرجعية الشيعية للمشروعية"، يجد ساسي أن من دلالة تأكيد مرجعية الإمام عند الشيعة، باعتباره مصدر المشروعية الوحيد للسلطة وفقًا لمنهج الأنثروبولوجيا السياسية، تجاوز الشيعة مفهوم الاجتماع السياسي؛ نظرًا إلى وضع المظلومية التي كانوا يحيون فيها في علاقتهم بسلطة أهل السُّنة، وترسيخ الفهم عند عموم الشيعة بأن الاجتماع السياسي الشيعي لا يتماسك بالسياسة ومراتبها وتفاضلها وقضائها، بل من طريق نصبه غياب الإمام بما يحمله من أبعاد رمزية وطقوسية ذات منحى ميثولوجي للفعل السياسي. فمن صفات هذا الإمام أنه صاحب الزمان، أي أن سلطته لا تقتصر على أهل الوقت الحاضر الذي تقول به السُّنة، بل تتعدّاه إلى مطلق العصور. نظر الشيعة إلى هذه العلاقة الأبدية في مستوى الزمن من خلال مفهوم الغيبة؛ أي الخروج الموقت من التاريخ من دون الانقطاع عنه إلى حين العودة المنتظرة.

في القسم الثالث، "أشكال توظيف المشروعية"، فصلان. في الفصل السادس، "توظيف السلطة للمشروعية - تجلّياته ومبرّراته"، يذهب ساسي إلى أن جدلية القرب من النص والبعد عنه جعلت وصف السلطة والمعارضة يتغير بحسب موقع الموصوف من النص، حتى وإن كان على رأس السلطة.

ويبحث ساسي في الفصل السابع، "توظيف المعارضة للمشروعية - مظاهره ومقاصده"، واحدة من أهم إشكاليات الاجتماع السياسي الإسلامي، وهي إشكالية علاقة المعارضة بالسلطة في أبعادها المختلفة؛ "ذلك أننا إزاء اجتماع سياسي مخصوص يتفق فيه الفاعلون على اختلاف مواقعهم بشأن المرجعية العليا لهذا الاجتماع، ويبدي الجميع تمسكه بمبدأ وحدة الجماعة التي تؤطر اجتماعها وتعلو على كل تنظيم سياسي، لكن تنزيل هذه المبادئ في واقع العمل باعد الشُقة بين المتفقين، فبدت قضايا الاتفاق والإجماع محل توظيف من الجانبين بما يخدم رؤية كل فريق".

يُذكر أن سمير ساسي حاصل على الأستاذية والماجستير والدكتوراه في اللغة والآداب والحضارة العربية من كلية الآداب والفنون والإنسانيات من جامعة منوبة بتونس، وهو روائي وصحافي أيضًا. من مؤلفاته: "المواطنة بين الديني والسياسي عند برهان غليون" (2017)؛ "خيوط الظلام" (2010)، و"برج الرومي: أبواب الموت" (2011)، و"بيت العناكش" (2019)، إضافة إلى عدد من الكتب المشتركة.

المساهمون