سليمان منصور.. الفنان وذاكرة فلسطين

15 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 07:06 (توقيت القدس)
تكريم مصري بجائزة النيل (من أعمال الفنان)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وُلد الفنان الفلسطيني سليمان منصور في بلدة بيرزيت قبل النكبة بعام، ليصبح شاهداً على المأساة الفلسطينية المستمرة منذ 1948، حيث تحولت لوحاته إلى سجلّات توثّق ذاكرة المنفى والاقتلاع، وأيقونات تتناقلها الأجيال.

- تميزت أعمال منصور بروح الجماعة، حيث جسدت لوحاته تفاصيل الحياة اليومية في فلسطين، مثل لوحته الشهيرة "جمل المحامل"، مما جعله رمزاً لجيل من الفنانين الفلسطينيين الذين أسسوا رابطة الفنانين التشكيليين الفلسطينيين.

- تنوعت تقنيات منصور بين التصوير الزيتي والطين، خاصة بعد انتفاضة الحجارة، حيث لجأ لمواد محلية، ويُعتبر تكريمه بجائزة النيل اعترافاً بأرشيفه البصري للجرح الفلسطيني.

قد يكون من المصادفات ذات الدلالة أن يُولد الفنان الفلسطيني سليمان منصور في بلدة بيرزيت قبل النكبة بعام واحد، وكأن القدر أعدّه ليكون شاهداً على المأساة المستمرة منذ 1948. لم تكن لوحاته مجرد أعمال فنية، بل سجلّات توثّق ذاكرة المنفى والاقتلاع، وأيقوناتٍ تتناقلها الأجيال وتعلّق على جدران البيوت داخل فلسطين وفي مخيّمات الشتات. ومن هذه الجدران الشعبية، قبل أن تصل أعماله إلى المعارض العالمية وصالات الغاليريات الكبرى، يمكن قراءة تجربة منصور الذي فاز أخيراً بجائزة النيل للمبدعين العرب التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة.

منذ السبعينيات، ظلت لوحة سليمان منصور تواكب تفاصيل المشهد اليومي في فلسطين، بكل ما فيه من مواجهة وقهر، من رجال ونساء وأطفال، ومن مدن وقرى، حتى تبلور في أعماله ما يمكن تسميته بـ"لوحة الجماعة". وإذا ظهر شخص واحد في فضاء اللوحة، فإنه يكون مشبعاً بحمولة المكان والناس والتاريخ، كما في لوحته الشهيرة "جمل المحامل" (1973)، حيث يتجسد الفلاح الحامل للمدينة فوق ظهره بوصفه رمزاً لأمّة بأكملها. بهذه الروح، صارت "لوحة الجماعة" بصمة طبعت جيلاً تأسيسياً من الفنانين الفلسطينيين، وجمعت إلى جانب منصور كلاً من نبيل عناني، وفيرا تماري، وكامل المغني، وعصام بدر، الذين أسسوا خلال ذلك العقد رابطة الفنانين التشكيليين الفلسطينيين.

لوحاته مشغولة بروح الجماعة وأثّرت بأجيال من الفنانين الفلسطينيين

لم يكن سليمان منصور أسير خامة واحدة، بل كان فضاؤه الإبداعي مفتوحاً على تنوّع المواد والتقنيات التي تحوّلت بين يديه إلى لغة تشكيلية متعددة الأبعاد، فمن التصوير الزيتي والكاريكاتير السياسي في الصحافة، إلى صناعة المجسمات، والنقش على النحاس، وصياغة الخزف، وتصميم الملصق السياسي، وحتى الجداريات الفسيفسائية.

عمل بعنوان "طقوس تحت الاحتلال" لـ سليمان منصور (غاليري زاوية)
"طقوس تحت الاحتلال"

لكنّ تركيزه الأكبر انصبّ على الأعمال الزيتية والطينية، خاصة بعد انتفاضة الحجارة عام 1987، حيث لجأ للطين إثر الدعوة لمقاطعة منتجات الاحتلال الإسرائيلي، فاجتمع مع زملائه الفنانين نبيل عناني وفيرا تماري وخالد حوراني وتيسير بركات للبحث عن بدائل محلية لمواد الرسم، مستفيدين من موارد الطبيعة الفلسطينية مثل الطين، والفخار، وجلود الحيوانات والحناء، وحتى القهوة والشاي.

يكتسب تكريم سليمان منصور بجائزة النيل اليوم، في زمن الإبادة الإسرائيلية المفتوحة في غزة، معنى يتجاوز الاحتفاء بفنان كبير فحسب. وكأنّ الفنان الذي ملأت لوحاتِه صورُ الشهداء، وأجسادهم المسجّاة على الأرض (لوحته المعروفة التي تحمل اسم الشهيدة لينا النابلسي) أو على أكتاف الحشود، لم يكن يسجّل لحظات من الماضي بقدر ما كان يرسم نبوءات حزينة لزمن القتل الراهن. تكريمه اليوم هو اعتراف بأن ما صاغته يداه، وما حملته أعمالُه من وجوه وخرائط ودماء، لم يكن مجرد إبداع فردي، بل أرشيف بصري للجرح الفلسطيني الذي ما زال ينزف، ورسالة بأنّ الفن يمكن أن يظل شاهداً حتى أحلك لحظات طمس الحقيقة.

فنون
التحديثات الحية