"سايكلوباث" رواد غطاس... أكثر من معرض

02 فبراير 2025
من المعرض
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يقدم معرض "سايكلوباث" للفنان رواد غطاس في بيروت تجربة فنية فريدة تركز على الأجساد البشرية باستخدام تراكب طبقات لونية، مما يضفي طابعاً من عدم الاكتمال والمغامرة، ويبرز الجسد في حالة من التوتر والعنف.
- يتنوع المعرض بين لوحات الأجساد ولوحات البوب آرت، مما يخلق تبايناً بين الثقل والخفة، ويعكس تعددية الأساليب والمواضيع التي يتناولها غطاس، مع مزج بين الواقعية المفرطة والبوب آرت.
- يعكس المعرض تأثيرات من مدارس فنية مختلفة، ويجمع بين الواقعية المفرطة والفن المفهومي، مما يضيف بُعداً فكرياً إلى التجربة البصرية ويستكشف مفاهيم معاصرة.

معرض "سايكلوباث" للتشكيلي اللبناني رواد غطاس، المستمرّ في "غاليري شريف تابت" بـ بيروت حتى الجمعة المقبل، ليس واحداً. هناك قَرابةٌ بين لوحات عدّة كتلك التي تُصوّر أجساداً. ثمّة قَرابة هنا في الأسلوب الذي يتألّف من تراكُب طبقات لونية، وربّما نجد قَرابة في البناء، لكنّ ذلك كلّه لا يجعلها واحدة. اللوحة حتى تلك التي يجمعها بغيرها كلّ ذلك، تبقى وحدها. إنّ لها بدايتها الخاصّة، لها أيضاً تجربتها التي توحي بعدم الاكتمال، بنوع من المغامرة التي نشعر معها أنّ ثمّة نقصاً فيها. إنّها، ولو اقتربت من غيرها، ولو وازتها في الموضوع والأسلوب، تبقى مبتدئة، أو تبقى باحثة عن نفسها. إنّها تقريباً لم تنته كلّياً، ظلّت رغم كلّ شيء محاولة، بقيت بداية، وبقي العمل كلّه تجربة، تجمع بين الارتجال واللعب الدقيق، بين الاقتراح الأوّلي والمتانة والإفراط في اللعب، وربما بقدر من الاستعراض أو المبالغة.

هكذا نجد أنفسنا أمام أكثر من معرض، إذا شئنا أن نميّز المعرض أو نبوّبه، فنحن بالدرجة الأُولى أمام الجسد المُدلّ بجسديته كثيراً، وإلى حدّ نفيها. إنّه منصوب في اللوحة تحت وشي وشخبطة من تراكم لوني. هذا الجسد الذي في تراكبه اللوني من الطبقات التي تتداخل فوقه، الجسد الذي هو موضوع جملة من لوحات المعرض، يُطلّ من اللوحات منصوباً لافتاً بذلك، أو موزَّعاً مشرذَماً في درجة من البعثرة. الجسد، حتى ذلك المنصوب منه، يُشعِر أحياناً بنحتية محزنة، بجسدية لا تخلو من عنف وقسوة وصنمية، في انتصابها وإطلالتها.

لكلّ لوحةٍ في المعرض تجربتُها التي توحي بعدم الاكتمال

هذه الأجساد المتقاربة، والقادرة على أن تبني من اجتماعها قصّة عُصابية قلقة، هي مع كلّ هذا التماثل والمحاكاة ليست واحدة. عنفها وعصبيتها وصنميتها لا تجعل منها واحدة. نحن في كلّ لوحة على درجة من الابتداء، من المحاولة الأُولى التي لا تنتهي إلى مقالة مشتركة، أو جامعة أو موحَّدة. نحن اتجاه كلّ لوحة أمام بداية من الصفر، أمام لوحة أُولى، أمام فصل قائم بذاته. ربّما لذلك تلفتنا عناوين اللوحات التي هي عبارة عن مفاهيم، عن أطروحات بذاتها، حُبّ، نهاية. اللوحة لو تكلّمت فهي تقول إنّها تبدأ من نفسها، أي أنّها مقولتها الخاصة وربما مفهومها.

هناك إلى جانب الأجساد لوحات البوب، التي تُلحّ على أن تستوحي من طيارات الورق ومعها أشياء وأسمال ملتقطة ومضافة إلى غيرها. من الجسد بتراكماته ونصبيته، إلى بوب طيارات الورق بلاعبها وما يُضاف إليها من نسيج ودوائر. نحن هكذا في جانب آخر من المعرض، بل أمام معرض آخر، هو أيضاً بدلالة ورسالة وأسئلة مختلفة. لم نعد الآن في نصبية ونحتية الأجساد، لم نعد فقط أمام متانة وعمران لوني ومادّة متحرّكة، أي ما يمكن أن يمنحنا شعوراً بالقوّة والصرامة والثقل، بما هو بناء ثقيل صنمي. نحن بعد ذلك أمام خفّة وعادية مفرطة وإلى درجة الإهمال.

رواد غطاس
رواد غطاس في معرضه

هكذا يبدو لنا معرض آخر. بعد ما يمتّ أو يُذكّر، ولو من بعيد، ببيكون، نحن أمام روشنبرغ، أي على حافّة البوب آرت. بين أجساد المعرض المنصوبة، وأسماله وطائراته الورقية، بون بعيد، بالطبع كأنّنا هنا أمام روادين. رواد هكذا لا ينتمي فقط إلى الواقعية المفرطة، كما هو الحال في أجساده، ولا يتأثّر فقط بالبوب أو بدايته. نحن أمام فنّان يمتّ إلى عصره. إنّه وريث مدارس، بل ومراحل عدّة، وريث الفنّ المُعاصر بكلّيته. لسنا فقط أمام الواقعية المفرطة والبوب. إنّنا نكاد نقترب أيضاً من الفنّ المفهومي، فهذه العناوين/ الأطروحات لم تأت من فراغ، إنّها أيضاً ابنة وقتها. هكذا يمكننا أن نقول في معرض رواد غطاس إنّه من لغة العصر.


* شاعر وروائي من لبنان

المساهمون