"رواق ميسلون" 15.. دراسات الضحية والتظلّم في سياق عربي

07 ديسمبر 2024
هل تنطبق أوصاف الضحية الغربية على ضحايا المنطقة العربية؟
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يتناول العدد الخامس عشر من مجلة "رواق ميسلون" موضوع "دراسات الضحية والتظلُّم في السياق العربي"، مع تساؤلات حول تطبيق نظريات الضحية الغربية على المنطقة العربية وأهمية نقدها محليًا.
- يضم العدد خمس دراسات محكّمة تتناول مفهوم الضحية من زوايا مختلفة، منها "نزوع الضحية إلى السيطرة" و"العرب وخطاب الضحيّة"، بالإضافة إلى دراسات عن النوع الاجتماعي وحالة الاستثناء.
- يحتوي العدد على مقالات رأي وحوارات ودراسات ثقافية، ويناقش مواضيع مثل "إخاء الأديان" و"سردية المؤامرة"، ويختتم بعرض كتاب عن التعددية الثقافية في الغرب.

يخوض العدد الخامس عشر (تشرين الثاني/ نوفمبر) من مجلة "رواق ميسلون"، الصادر حديثاً عن "مؤسسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر" في باريس وإسطنبول، في مجال تقاطُعي يندرج ضمن دراسات ما بعد الاستعمار، ودراسات الجندر، ودراسات العنصرية، حيث صُدِّر الملف الرئيس للعدد بعنوان "دراسات الضحية والتظلُّم في السياق العربي".

كتبت مديرة تحرير المجلّة نور حريري افتتاحية العدد "الضحية بين الفكرة والواقع"، طارحةً عدداً من التساؤلات المحورية المرتبطة بالموضوع: هل يصلح إسقاط نظريات الضحية هذه على ضحايا المنطقة؟ هل تنطبق أوصاف الضحية الغربية، خطابها، آلامها، قضاياها، صراعاتها على ضحايا المنطقة العربية؟ لا شكّ أنَّ لهذه النظريات طابعاً عالمياً يتجاوز ما هو غربيّ، وهي تساعد في فهم أي واقع معيش ونقده. لكن بقدر عدم إمكان رفض هذه الأفكار والنظريات وعزلها عمّا يحدث في المنطقة العربية، لا يمكن إسقاطها على المنطقة إسقاطاً مباشراً.

وتضمّن ملف العدد خمس دراسات محكّمة. كتب الأولى الباحث السوري راتب شعبو، عضو هيئة تحرير المجلة، حول "نزوع الضحية إلى السيطرة"، رأى فيها أنَّ ظاهرة الضحية الساعية إلى السيطرة والسيادة تزدهر في مجتمعاتنا، وأنَّ "نجاح كل مسعى من هذا النوع ينتج ضحايا آخرين. وتفسير ذلك أنه توجد تغذية متبادلة بين مجموعة من العناصر التي أنتجها واقعنا السياسي المأزوم، وراح يتغذى عليها في حلقة توالد خبيثة.

تضمّن ملفّ العدد خمس دراسات محكّمة تناولت مفهوم الضحية من جوانب مختلفة

وكتب الباحث السوري فادي أبو ديب دراسة بعنوان "العرب وخطاب الضحيّة: هل حان وقت التحرّر من التماهي مع الأطراف والهامش؟"، عمل فيها على تفكيك مفهوم هوية الضحية ومناقشة مسألة التماهي غير المبرّر بين مجموعات بشرية وتاريخية مختلفة تحت هذا المسمّى، وقدّم تصوّراً عن علاقة هذه الضحية (العربية) بمفهوم التاريخ. وقد بيّن البحث أنّ المجتمعات العربية عموماً لا تنطبق عليها صورة الضحية الثقافية-التاريخية في علاقتها مع قوة تسعى لإعادة كتابة تاريخها، فعلى النقيض من بعض المناطق الأُخرى في العالم التي عانت من العبودية و/أو لم تملك تاريخاً مكتوباً قبل الغزو الغربي لها، تتميز المجتمعات العربية بحضور كثيف وفائق جدّاً لتاريخها الذاتي لا بل، على العكس تماماً، تُعاني عدم القدرة على (طمس) ما كان ينبغي له أن يذهب في غياهب الماضي.

أما الباحثة المغربية نادية بلكريش، فتطرّقت بدراستها إلى "جدلية المظلومية والكراهية في سياقات الخطاب العربي"، مُشيرة إلى أن خطاب المظلومية ليس رائجاً بين عامة الناس في مختلف المجتمعات وحسب، فالحقيقة تتجاوز ذلك لتشمل الجزء الرئيس من تفكير عديدٍ من المثقفين والمفكرين، والمحللين، وحتى بعض صنّاع القرار السياسي. يبرز ذلك جليّاً من خلال ما تتداوله وسائل الإعلام العربية وغيرها من مقالات ومقابلات ومواد إعلامية.

"تحليل النوع الاجتماعي في إطار قانون الأحوال الشخصية المصري؛ نحو فهم لتجارب الضحايا" عنوان دراسة الباحثة المصرية إكرام البدوي، التي أثارت فيها عدة تساؤلات، منها: هل يمكن أنْ تتغير حالة الضحية من الحقيقي إلى المزيّف بناءً على التحولات في السياقات الاجتماعية والثقافية؟ وما هو دور السلطة والهياكل الاجتماعية في تشكيل مفهوم الضحية في بنية العقل العربي؟ وهل من المعقول أن الذكر هو الجاني دائماً، أم أنَّه يجرى تجاهله عندما يكون ضحية؟

كذلك، نظرت ورقة الباحث المغربي حسن أوزين في "حالة الاستثناء في سورية الأسد"، حاول من خلالها إجراء تحليل نقدي للواقع السياسي العربي، من خلال الأدوات والمفهومات التي أنتجتها الخلفيات الفلسفية والسياسية للمفكّر والفيلسوف جورجيو أغامبين. ورأى أنَّ "دراسة حالة الاستثناء الأبدي التي تعرفها البلدان العربية تترابط جدلياً مع مفهومات ومصطلحات: الإنسان المستباح، حالة الطوارئ، الحياة العارية، السلطة السيادية، السلطة الحيوية، الديكتاتورية، والبيوسياسة، والتناتوسياسة، سياسة القتل، الحصار والمعتقل والتهجير، والعنف السياسي والقانوني. 

هل يمكن الانتقال من العمل كضحية إلى تبنّي ضمير البطل ومسؤوليته

وفي باب "مقالات الرأي"، كتب رونيار إبراهيم حول "الضحية: بعض التأملات الأساسية"، مبيّناً اتفاقه مع نقد ثقافة (عقلية الضحية) في نقطة ألا تتحوّل معاناة ومأساة الضحية إلى حفل مقدس في حد ذاته وتصبح لها قيمة أساسية في سوق السياسة، ففي هذه الحالة تصبح الثقافة العامة ميالة إلى أن تكون ضحية أكثر من كونها فاعلة. كما كتبت أمل فارس عن "مفهوم الضحية، من المعاناة إلى البطولة"، مؤكّدة أنّ الخطوة الأولى في خلق مجتمعٍ أفضل ليست التذمّر، بل اختيار فعل الشيء الإيجابي عن سبق الإصرار. ولعل أفضل إرث يمكننا أن نتركه هو هذا التحول، بالانتقال من العمل كضحية إلى تبنّي ضمير البطل وشجاعته المسؤولة. 

وكتب علاء حسين الجدامي مقالةً بعنوان "الصوابية السياسية: من الطبيعة الفضفاضة للمفهوم إلى تناقض خطاب الضحية الإسرائيلي"، أشار فيها إلى أنَّ دور الصوابية السياسية، على المستوى السياسي، يتجلّى في تبرير الخطاب الضحياتي الإسرائيلي، الذي يرتدي ثوب المظلومية بوصفه أقلية مضطهدة من العالم بأسره، فأصبح كل من يعادي الكيان الصهيوني من منطلق الصوابية السياسية متّهماً بمعاداة الساميّة واضطهادها.

وفي باب "الحوارات"، أجرى حسام الدين درويش حواراً مهمّاً حول مسألة "إخاء الأديان" مع المفكر الإسلامي محمد حبش، وفي باب "دراسات ثقافية"، نُشرت في هذا العدد دراستان. كتب الأولى الباحث اللبناني إلياس البرّاج حول "دوامة الأسياد والرعايا تُضيِّق الخناق على الخلاص العربي"، وكتب الثانية الأكاديمي المصري محمود أحمد عبد الله متناولاً "سردية المؤامرة في الخطاب الديني التقليدي".

كذلك، ترجم المغربي عبد الإله فرح، في باب "ترجمات"، دراسة بعنوان "علم الاجتماع وما بعده: الفاعل، والوقوع كضحية، وأخلاقيات الكتابة" لغودرون دال. وتبحث هذه الدراسة، من خلال إشكالية أخلاقيات الكتابة العلمية، في مختلف الخطابات التي يُستخدم فيها مفهوم الضحية، ناظرة إلى الادّعاءات وتبريرات البراءة من صفة "ضحية" بوصفها تعبيرات عن الفاعلية في سياق التنافس على المساءلة، والمسؤولية، والاعتراف، والتعويض المحتمل أو اللوم.

وخُتم العدد بباب "عروض كتب"، تضمّن فصلاً من كتاب "الإسلام والمسلمون في الغرب؛ قضايا وسجالات كبرى" لأديس دوديريغا وحليم ران، ترجمته دعاء خليفة وراجعه حاتم الأنصاري من السودان، ويتناول هذا الفصل ظاهرة "التعددية الثقافية" والمعارضة التي أصبحت تنمو ضدها في الغرب، فقد "ظلت التعددية الثقافية ميزة تعريفية لكثير من المجتمعات الغربية منذ الثلث الأخير من القرن العشرين على أقلّ تقدير، غير أنها قد واجهت معارضة معتبرة خلال العقدين الأخيرين.

المساهمون