استمع إلى الملخص
- يُلقي المخرج اليوناني ثيودوروس تيرزوبولوس رسالة تتناول قضايا العزلة الاجتماعية، التحديات البيئية، وتأثير التكنولوجيا، مع تساؤلات حول دور المسرح في مواجهة هذه التحديات.
- تطرح الرسالة أسئلة حول قدرة المسرح على تعزيز التعايش وتسليط الضوء على الجراح الاجتماعية، مع دعوة لتطوير أساليب سردية جديدة تُعزز المسؤولية الأخلاقية والسياسية.
يُعدّ السابع والعشرون من آذار/ مارس يوماً عالمياً للمسرح منذ تمّ اعتماده رسمياً لهذه المناسبة في عام 1962. وضمن هذا الإطار، يُنظّم "المعهد الدولي للمسرح" (ITI) احتفالية "اليوم العالمي للمسرح" للعام الجاري، والتي ستُقام، من الخميس إلى الأحد المُقبل، في العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو، حيث يجتمع عشّاق المسرح حول العالم لتكريم الأهمية الثقافية للفنون الأدائية.
يُقام هذا الاحتفال التاريخي برعاية اليونسكو، ويشارك في تنظيمه أيضاً "المركز البرازيلي للمعهد الدولي للمسرح"، وتُقدَّم فيه مجموعة عروض من البرازيل وكوريا الجنوبية والصين وتايلاند وتشيلي وغيرها. كما سيُسلّط الحدث الضوء على حقوق الفنانين وتعزيز الصلة بين أميركا الجنوبية و"المعهد الدولي للمسرح"، إلى جانب ورش عمل وحلقات نقاش وحواريات حول مواضيع رئيسية مثل الإرث الفنّي والتراث الثقافي، وفُرص العمل في المسرح، ودَور التعاون الدولي في التنمية الاجتماعية.
ويُلقي المخرج المسرحي اليوناني ثيودوروس تيرزوبولوس (78 عاماً) رسالة "اليوم العالمي للمسرح" لهذا العام، وفقاً لتقليد سنوي. ترجَم الرسالة إلى العربية الكاتب والمسرحي التونسي لطفي العربي السنوسي، وقد تمّ توثيقها لدى "المعهد الدولي للمسرح". تُرفِق "العربي الجديد" نسخة من الرسالة أدناه.
■ ■ ■
هل يستطيع المسرح أن يُصغي إلى نداء الاستغاثة الذي تُطلقه أزمنتنا، في عالم يجد فيه المواطنون أنفسهم مُفقرين، محبوسين داخل زنازين الواقع الافتراضي، مُنغلقين على ذواتهم في عزلة خانقة؟ في عالم يتحوّل فيه البشر إلى روبوتات، تحت وطأة نظام شمولي يقوم على السيطرة عن طريق الرقابة والقمع، باسطاً ظلّه على كلّ جانب من جوانب الحياة؟
هل يكترث المسرح للدمار البيئي، للاحتباس الحراري، للفقدان الهائل للتنوع البيولوجي، لتلوّث المحيطات، لذوبان القمم الجليدية، لزيادة حرائق الغابات والظواهر المناخية المتطرّفة؟ هل يُمكن للمسرح أن يصبح طرفاً فاعلاً في النظام البيئي؟ لقد راقب المسرح تأثير الإنسان على الكوكب لسنوات طويلة، لكنّه يجد صعوبة في التعامل مع هذه الازمة.
هل يشعر المسرح بالقلق إزاء الوضع الإنساني كما يتشكّل في القرن الحادي والعشرين، حيث يصبح المواطن لعبة تحرّكها المصالح السياسية والاقتصادية، وشبكات الإعلام وشركات صناعة الرأي العام؟ حيث تتحوّل وسائل التواصل الاجتماعي، رغم دورها الكبير في تسهيل التواصل، إلى ذريعة قوية للابتعاد، فهي تمنحنا مسافة الأمان المطلوبة بيننا وبين الآخر؟ إن شعور الخوف من الآخر، المختلف، الغريب، يُسيطر على أفكارنا ويوجّه أفعالنا.
هل يُمكن أن يصبح المسرح مختبراً للتعايش بين الاختلافات من دون أن يتجاهل الجراح النازفة؟
إنّ الجراح النازفة تدعونا إلى إعادة بناء الأسطورة. وكما قال هاينر مولر: "الأسطورة هي التراكم، آلة يمكن دائماً ربط آلات جديدة ومختلفة بها. إنها تنقل الطاقة حتى يصل التسارُع المتزايد إلى تفجير دائرة الحضارة" وأضيف إلى ذلك، دائرة الوحشية.
هل يُمكن لأضواء المسرح أن تسلّط الضوء على الجراح الاجتماعية، بدلاً من تسليط الضوء على المسرح بشكل مضلّل؟
إنها أسئلة لا تقبل إجابات نهائية، لأن المسرح يستمرّ في الوجود بفضل الأسئلة التي تظلّ بلا إجابة.
أسئلة أثارها ديونيسوس، وهو يعبر مكان مولده، أوركسترا المسرح الإغريقي القديم، ليواصل رحلته الصامتة كلاجئ عبر مشاهد الحروب، اليوم، في اليوم العالمي للمسرح.
لننظُر في عينَيْ ديونيسوس، إله المسرح والأسطورة المنتشي، الذي يوحد الماضي والحاضر والمستقبل معًا، ابن الولادتين، ابن زيوس وسيميلي، رمز الهويات المرنة، الأنثوية والذكورية، الغاضبة والوديعة، الإلهية والحيوانية، المتأرجح على حافة الجنون والعقل، بين النظام والفوضى، بهلوان راقص على الخط الفاصل بين الحياة والموت. يطرح ديونيسوس السؤال الوجودي الجوهري: "ما معنى كلّ هذا؟" سؤال يدفع المبدع نحو بحث أعمق في جذور الأسطورة وأبعاد اللغز الإنساني المتعددة.
نحن في حاجة إلى أساليب سردية جديدة، تهدف إلى إحياء الذاكرة وصياغة مسؤولية أخلاقية وسياسية جديدة، للخروج من الديكتاتورية متعددة الأوجه لعصور الظلمات الحديثة.