رحيل لوي بونس: ما أوسع اللوحة

رحيل لوي بونس: ما أوسع اللوحة

15 يناير 2021
لوي بونس في 1992
+ الخط -

في منطقة وسطى بين اللوحة والمنحوتة، اختار الفنان التشكيلي الفرنسي لوي بونس (1927 - 2021) أن يشقّ طريقه في عالم الفن، وقد حاول أن يجعل من هذا التقاطع قابلاً لاستيعاب كل عناصر الواقع وعلاماته، من أغراض الحياة اليومية إلى جثث الطيور والحشرات. 

في 12 كانون الثاني/ يناير الجاري، رحل بونس عن عالمنا دون أن يبدو أنه ترك خلفه من يواصل السير في نفس الطريق، فقد بقيت طريقته في التشكيل متفرّدة وغير مفهومة، وبالتالي غير قابلة للاستنساخ. 

بدأت تجربة بونس الفنية من خلال الصحافة حين انتدبته جريدة "ليبراسيون" كرسّام يجسّم بالصور أفكار عدد من مقالات الرأي أو المتابعات التي لا تتوفّر لها صور فوتوغرافية. ومثّلت له هذه التجربة احتكاكاً قوياً بالواقع، فلا ننسى أن الفترة التي بدأ فيها العمل صادفت الاحتلال الألماني لفرنسا، ما يعني أن رسوماته كان عليها أن تؤدّي أفكار المقاومة، غير أن التجربة لن تستمر إلا بضعة سنوات بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

اشتغل بونس في مهن متعدّدة، لكنه واصل الرسم بشكل متدفّق وكأنه يبحث عن نفسه، ولم يهتد إلى التقنية التي سيُعرف بها، والتي يسمّيها التجميع، إلا في 1959 والتي انتقل فيها من الرسم إلى تركيب أشياء حقيقية لكن على مسطّح اللوحة. أي أنه لم يتخلّ عن المحمل الأساسي للفن التشكيلي مقابل ذهابه إلى أدوات غير الفرشاة والألوان، ليغيّرها بالمسامير والبراغي والكؤوس الملقاة ونشارة الخشب وغيرها من المواد.

وجدت هذه التقنية ترحيباً من بعض النقاد لأنهم وجدوا فيها امتداداً لفن الكولاج الذي اعتُبر في تلك الفترة تعبيراً ملائماً لحالة التشظّي التي يشعر بها الإنسان المعاصر. صُنّف بونس ضمن السورياليين وضمن التجريديين، لكنه كان يردّ على النقاد تصنيفاتهم فهو يخرج عن كل تعريفات هذه التيارات، فقد كان ينوّع الثيمات والأدوات بشكل يكسر كل توقّع، كما أنه لم يكن يختلط ببيئة الفنانين، ما يشير إلى نوع من القطيعة مع مختلف الجماعات التي تتكوّن منهم. 

على المستوى التقني، كان بونس رائداً في تطوير جمالية من الأغراض البسيطة، وقد كانت الخردة تمثّل أبجديته الأولى التي تتفرّع منها الأفكار، وعبر التجريب المتواصل كان يطرق علاقات جديدة بين الفن والمُهمل. غير أن انهماكه في "تجميع" الخردة لم يمنعه من تقديم أعمال - بنفس التقنية - لمشاهد طبيعية وأخرى من الحياة اليومية، وهنا تكمل أهمية تجربته، حيث استطاع بتقنية خاصة به أن يستوعب كل ما حوله.

المساهمون