رحيل سماح إدريس: شاهدٌ على تحوّلات بيروت والثقافة العربية

رحيل سماح إدريس: شاهد على تحوّلات بيروت والثقافة العربية

26 نوفمبر 2021
سماح إدريس (من صفحته على فيسبوك)
+ الخط -

حين نشر صورة له وهو ذاهب لتلقّي العلاج بعد إصابته بمرض خبيث، عبر مواقع التواصل الاجتماعي نهاية الشهر الماضي، تهاطلت حول الكاتب والباحث اللبناني سماح إدريس (1961 - 2021) رسائل الدعم المعنوي من مُحبّيه وأصدقائه، ولم يكن أحد يتوقّع بأنه مع تلك الصورة كان كمن يودّع العالم.

رحل إدريس، أمس الخميس، ترافقه مئات من رسائل النعي والتعزية لذويه تأتي ممن رافقوا مسيرته بتفرّعاتها المتعدّدة بين الكتابة والبحث والنشر والترجمة والإشراف على مجلّة "الآداب"، وأيضاً كأحد أبرز نشطاء القضية الفلسطينية بالعمل على حضورها المستمر في منطوق الحياة الثقافية العربية، ومواجهة التطبيع بكل وجوهه (كان من بين مؤسسي "حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان")، وقد باتت عبارته "إذا تخلينا عن فلسطين تخلينا عن أنفسنا" واحدة من شعارات المقاومة الثقافية عربياً. 

نال إدريس ماجيستير الأدب العربي من الجامعة الأميركيّة في بيروت، ثم انتقل لمواصلة تحصيله المعرفي إلى الولايات المتحدة الأميركية وحاز الدكتوراه في اختصاص دراسات الشرق الأوسط من "جامعة كولومبيا". ومع العودة إلى بلاده، بدأت تصدر مؤلفاته وقد أتت ضمن منظورات النقد الثقافي، لكنها تجربة لم تستمر طويلاً، إذ توقّف عن هذا الشكل من التأليف بعد إصداره لعملين هما: "رئيف خوري وتراث العرب" (1986)، و"المثقف العربي والسلطة: بحث في روايات التجربة الناصرية" (1992).

وإلى جانب الكتب التي صدرت له، كانت لإدريس مساهمات منتظمة عبر المقالات ضمن طيف واسع من المواضيع: سياسية وأدبية واجتماعية وحول قضايا اللغة العربية وغير ذلك. كما كانت له ترجمات من أبرزها كتاب "صناعة الهولولكوست: تأمّلات في استغلال المعاناة اليهوديّة" لنورمان فنكلستين. 

وانكبّ إدريس أيضاً على التأليف للأطفال واليافعين، وهو توجّه نادراً ما يذهب له المثقفون العرب بعد خوض تجارب الكتابة الفكرية والنقدية، ومن مؤلفاته في هذا الإطار: "تحت السرير"، و"حين قرّر أبي"، و"الملجأ"، و"عالم يسع الجميع"، و"خلف الأبواب المقفلة".

في هذه المسيرة، عاش إدريس تحوّلات الثقافة العربية بعمق، لعلّ أبرزها انتقال مجلة "الآداب" وهي تحت إشرافه (بدءاً من 1992، وقد أطلقها والده سهيل إدريس في 1953)، إلى الصيغة الإلكترونية في 2015، بعد توقف في 2012. كما أنه عاش ضمن "دار الآداب"، المشروع الأساسي الذي أطلقه والده، تحوّلات صناعة النشر وقد خرجت مركزيّتها من بيروت بعد ظهور مئات دور النشر العربية في كل المنطقة مع الألفية الجديدة. وبرحيله، تخسر بيروت قطعة أخرى من ذاكرتها، ذاكرة الزخم الثقافي الذي انتظمت حوله مجمل الثقافة العربية لعقود.

المساهمون