رئيس جديد في لبنان أم لغة جديدة

22 يناير 2025
لبنانيون يحتفلون في "ساحة الشهداء" ببيروت، 13 كانون الثاني/ يناير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بعد انتهاء ولاية ميشال عون، برز جوزاف عون كمرشح بارز للرئاسة بسبب مكانة الجيش كطائفة محايدة في لبنان، حيث يُعتبر الجيش المؤسسة الوحيدة التي تمثل الدولة بشكل مباشر.
- تأخر انتخاب رئيس جديد بسبب الانقسامات السياسية وغياب الدولة الفعلي، مما أدى إلى عدم وجود حاجة ملحة لرئيس يتمتع بسلطة حقيقية.
- الحرب التي اندلعت بعد خروج ميشال عون سرعت من انتخاب رئيس جديد، حيث تحدث الرئيس الجديد بلغة جديدة، مبشراً بعودة الدولة ووضع برنامج لنهضتها.

غداة انتهاء مدّة ميشال عون الرئاسية في لبنان وخروجه من الحُكم، كان جوزاف عون قائد الجيش الأقرب الى أن يخلفه. ذلك ما بدا واضحاً من الحسابات اللبنانية، قائد الجيش ينتمي في بلد طوائفي كلبنان إلى الجيش الذي هو طائفة بحدّ ذاته، طائفة من خارج الطوائف ومن خارج السياسة. صحيحٌ أنّ المُحاصصة اللبنانية، تسند قيادة الجيش إلى ماروني، لكنّ مارونيّته تلك لا سياسة لها. الجيش هو تقريباً المؤسّسة الوحيدة التي تنتمي أوّلاً إلى الدولة، بل وتمثّلها. لا يحقّ للجنود والضبّاط أن يكون لهم انتماءٌ سياسيّ واضح، لئلّا يودي ذلك إلى تسييسهم وتسييس الدّولة عبرهم.

الجيش مُبعد عن السياسة، لكن هذا، للعجَب يجعل منه، حضن الدولة. ذلك ما جعل قادته أربع مرّات، من أربعة عشر، رؤساء للجمهورية. كان جوزاف عون لذلك مرشّحاً بديهياً للرئاسة، لكنّه انتظر أكثر من عامين ليستحقّها. كان الأقرب إليها، لكن أمراً كهذا بقي طَيّ الواقع، لم يبادروا إليه مع بداهته، السبب في ذلك كان هذه المرّة الخلاف على الدولة، التي لم تعُد هي نفسها بديهية، تعدُّدها الذي هو من تعدّد المجتمع، لم يعُد ملزماً لها، صار انحياز الدولة إلى جهة ما غير مرفوض، بل إن ازدواجها وازدواج أركانه وجماعاتها أمر بات مقبولاً. 

كان يجب في البداية أن نجد دولة حتى ننتخب رئيساً لها

كان يُمكن أن تكون الجهة فيها وخارجها في آن معاً. كان يُمكن أن يخوض أركانها حرباً داخل وخارج الحدود. كان يُمكن لها هكذا أن تكون في محور، وفي حلف، وأن يجرّها طرف ما إلى محور وحلف. غداة خروج ميشال عون من القصر الرئاسي بات للدولة حربها، وكان الاعتراض على ذلك شفوياً أولاً، له فقط لفظيته لكن لفظيته تبقى عند هذه الحدود. لقد صارت الحرب من حقّ، بل من واجب بعض أطرافها. لذا تأخّر انتخاب رئيس، لا لشيء إلا لأن الدولة نفسها غائبة، ولا سلطة حقيقية لرئيس.

لم يُنتخب رئيس لأن لم يعُد له مكان، كان مطلوباً فقط رئيس لا مكان له ولا سلطة. الدولة كانت تقريباً شبه مبعدة، شبه متنحّية. كانت الدولة في مكان والسّلطة في مكان آخر. تأخّر انتخاب رئيس لأن المسألة كانت في قدرته وحقوقه وصلاحيته. تأخّر انتخاب رئيس وكان يُمكن لهذا أن يطول، بل قد يبقى إلى حدّ لا يعود له، إذا تحقّق، من دلالة أو غاية. إذا لم يكن صعباً التحقُّق، من أن لا حاجة لدولة ولا إلى رئيس.

الحرب صارت تعني بالدرجة الأولى تنحية الجيش، ربما لذلك لم يعد مهمّاً، الإتيان بقائد الجيش رئيساً. أمكن خوض حرب، بل وحروب، بدون إرادة الجيش وبعيداً عنه. كيف يُمكن، والأمر كذلك، أن يكون قائد الجيش الوحيد الذي يصلح لرئاسة دولة، هي الأُخرى غامضة الهوية، غامضة الدور. تأخّر انتخاب قائد الجيش، بل تأخّر انتخاب أيّ كان، لأن هذا لم يعُد في الحساب. لم يعُد ملزماً أو ضرورياً، صارت الدولة أُغنية فقط، مجرّد أنشودة حُبّ. من الواضح أن لم يعُد لها تقريباً إرادة أو دور. كان من المُمكن، لا في سنتين فحسب، بل وأكثر من ذلك العيش بدونها، بل وبعيداً عنها، ربّما لذلك تأخّر انتخاب الرئيس، إذ كان يجب أن نجد له أولاً دولة. 

ربّما كانت الحرب هي قمّة أعمال الدولة، بل وتاجها، لكن الحرب وقعت بلا دولة، فما الحاجة عندئذ إلى جيش وإلى قائد. لكن الحرب التي طالت، كانت بدرجة أُولى، تحدّياً للمجتمع، إذ إن المجتمع نفسه كان يغدو بلا كيان بها، في حين أنها، عند ذلك، تغدو بلا مهمّة. ربما لهذا صارت هامشاً أو مجرّد دعم من قريب أو بعيد. لكن الحرب، التي هي من مقوّمات الدولة، استدعت هذه المرّة دولة. صار، فجأةً، معنىً للجيش ولقائد الجيش وللدولة ولكيان الدولة، ربّما هكذا عجّل الجميع إلى انتخاب رئيس، والرئيس نفسه في خطاب قسَمِه تكلّم هذه المرّة كقائد دولة. قدّم برنامجاً وخريطة طريق وأجندة عمل، لقد صعد يبشّر بعودة الدولة وبقيامها، وقد وضعَ عناوين لذلك. ما حدث هو استعادة دولة لم تكُن، في يوم، في محلّها أو مكانها. كانت على الدوام منقسمة، صاعدة فوق رُكام من حروب أهليّة لكن الرئيس في خطاب قسَمِه كان يقول ببداهة إنه عهد جديد، هو على الأقلّ لغة جديدة.


* شاعر وروائي من لبنان
 

المساهمون