رؤيةُ العالم

رؤيةُ العالم

08 يناير 2021
من لوحة لـ حمزة بونوة/ الجزائر
+ الخط -

أكثر من اشتغل على مفهوم رؤية العالم، الذي وضعه الناقد الفرنسي لوسيان غولدمان، من بين النقّاد العرب، هو محمد كامل الخطيب، وخصوصاً في كتابه "تكوين الرواية العربية" الذي وضع له عنواناً فرعياً هو "اللغة ورؤية العالم". وقد تتبّع الخطيب في الكتاب تاريخ نشوء الرواية العربية الذي عكس، في تطوّره وتبدّل المواقف التي اتخذها كلّ من الروائيين والنقّاد المناصرين لنشوء الرواية أو المعادين لها، تطوّرَ أحوال المجتمع العربي وتبدّلها. وهو أمرٌ استثنائي في تاريخ الأدب العربي. فانتقال لغة الرواية من البناء التقليدي القائم على السجع إلى اللغة اليومية والجملة البسيطة المعبّرة عن المعنى دون مواربة، عكسَ انتقالاً في طبيعة المجتمع نفسه.

يمكن، إذاً، لتأريخ رؤية العالم أن يكون أساساً لتتبّع تطوّر التاريخ العربي في القرن العشرين. ولهذا، كان الموقف من الرواية يعكس حالة القوى المتصارعة في المجتمع، فكرياً وأخلاقياً.

وإذا كان الصراع حول الرواية قد شكّل تاريخ تطوّر المجتمع العربي في مرحلة النشوء، فإن الرواية اليوم باتت تُستخدم كأداة في الصراع، بعد أن استقرّ بها المقام في المجتمع نفسه، بين وجهتي النظر اللتين تسودان الساحة الثقافية السورية بوجه خاص، أكثر من أيّ ساحة ثقافية أخرى. فالانقسام في المجتمع والثقافة السوريين هو الأكثر تعبيراً عن حالة الانقسام في المجتمعات العربية حول قضايا الثورات الحرية والعدالة والموقف من السلطة، بصرف النظر عن القيمة الفنية للروايات التي تصدر أو سوف تصدر. والصراع لن يكون فنياً، بين هذا الشكل التعبيري أو ذاك، بل بين رؤىً للعالم. وبهذا المعنى، فإنّ الرواية تستعيد دورها التأسيسيّ كساحة للصراع الأيديولوجي بين تيارين رئيسيّين يسيطران اليوم على الثقافة السورية. 

كان الموقف من الرواية يعكس حالة القوى المتصارعة في المجتمع

وميزة الرواية هنا أنها لا تعكس صراعاً طبقياً، بل أيديولوجياً، وهو صراع لافتٌ جداً، وغريب تاريخياً. لكن الواقع يقول إن هذه هي الحال. إذ تشير الوقائع إلى أنّ الرغبة في التدخّل الفكري تشمل كثيراً من المثقفين، ومنهم شعراء ونقّاد وباحثون، وقد أسرعت الدراما التلفزيونية والسينما السوريّتان إلى تقديم رؤيتهما في شأن الصراع القائم، وها نحن نشهد أعمالاً روائية يسعى كتّابها إلى تسجيل مواقفهم من القضية. لمَ هذا كلّه؟ أوّل الأسباب وأهمّها، المساحة الهائلة التي تقدّمها الفنون، والرواية خصوصاً، لحرية القول والتخيّل.

يضع التناقض في الرؤى الروايةَ في مأزق من حيث علاقتها بالواقع؛ أي كيف ومتى تتجلّى هذه العلاقة، وما هي أشكال هذا التجلّي، ومدى تعبير الرواية عن جوهر هذا الواقع.

مَن الحَكَم بين هذا وذاك إذا كانت كلّ رؤيةٍ تدّعي أنها تعبّر عن الحقيقة؟ فالكلّ يقول إن مصالح الوطن والإنسان في رأس أولوياته، والكلّ يدّعي أنّه يدافع عن حقّ الإنسان في العيش. هل سنلجأ إلى حكم القيمة الأخلاقي أم ستكون الأحكام الجمالية المعيار لقيمة الموقف والرؤية في النص الروائي؟ أم سننتظر حكم التاريخ؟ ثمّة من يلعن الحرية التي يطالب بها الآخرون، وثمّة من يهتف للحرية لهم وله.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية

المساهمون