"رأس أنجلة" لإيناس العباسي... الأصلاء والدخلاء

13 ابريل 2025
(من حساب دار النشر "هاشيت أنطوان" على فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تدور رواية "رأس أنجلة" حول عائلة تونسية، حيث تسرد الأختان ناديا وليندا الأحداث. ناديا تعيش حياة مضطربة مع زوجها الفرنسي فيليب، الذي يعاني من أزمة هوية بعد الحرب الأفغانية، مما يؤثر على زواجهما.
- ناديا شغوفة بالطبخ وتطمح لتأليف كتاب عن وصفات الطعام المتوسطي، بينما تعيش ليندا حياة سطحية تركز على المظهر.
- العائلة تشمل الأم التي عانت من عنف زوجها، والأخوين فيصل الذي يدعم العائلة مالياً، ونوفل الذي يواجه نهاية مأساوية. الرواية تستعرض تعقيدات العلاقات الأسرية والصراعات الداخلية.

لا تستوقفُ طويلاً بعنوانها رواية "رأس أنجلة" (2025)، الصادرة عن دار "نوفل" للتونسية إيناس العباسي؛ وهي الشاعرة والمترجمة أيضاً، إذ سرعان ما سنعلم أنّه اسم مكان، فهو مصدر العائلة التي تتناوب ابنتاها، ناديا وليندا، على الرواية.

ناديا الأخت الكبرى، نعلم منذ البداية أنّها زوجة الفرنسي فيليب، الأسمر الذي يدلّ لونه على مرجعٍ عربي لا يزال فيليب يبحث عنه ويحلم بالتوصّل إليه. ليست هذه مشكلة فيليب الوحيدة، وإن كانت من عناوين حياته، هذا الأصل ليس الوحيد الذي يقلقه. ثمّة من ناحية أخرى موازٍ له لا نجده غريباً عنه. فيليب، الذي تطوّع لـ الحرب في أفغانستان، بقي فيها إلى أن انتهى الأمر بانتصار "طالبان" وفوزها بالسلطة.

يُصاب فيليب، لكنّ خسارته الأكبر موت صديقه الحميم ماثيو في المعركة. يعود فيليب بعد أن سُرِّح وتقاعد باكراً، لكن القلق الذي بدأ بالتباس أصله يطغى هذه المرّة عليه. لقد ضيّع في هذه التجربة نفسه التي لم يمتلكها أصلاً. يعود هذه المرّة مصاباً بعصاب لا يزال يسيطر عليه، وينحو به إلى عنفٍ ينصبّ على زوجته، فيعكّر حياتها ويجعلها تفكر في هجره.

هوس يمكن رده إلى حقيقة أكيدة، إلى ما يُمكن أن ندعوه أصالة

ليست قصة ناديا فريدة في العائلة. إنّها تردّها، أي "الابنة"، إلى أمّها التي عانت من عنف أبيها وسوء خُلُقِه، إلى أن حملت عائلتها وهجرته، لكن لا تلبث أن قبلت عودته. ناديا في ذلك صورة ثانية للوالدة، فهي طالما فكّرت بهجر فيليب، الأمر الذي ماطلت فيه ولم تحقّقه، إلى أن ثاب إلى هدوءٍ حصّله بفضل ولادة ابنته.

نحن الآن أمام العائلة التي سنرجع خصوصاً إلى ابنتيها. ناديا التي هي أنموذجٌ فريد وجوانيٌّ إذا جازت الكلمة. فهي لا تظهر فرادتها إلا في نظرة إلى داخلها. لقد تفوّقت دراسياً، لكن هذا لم يكن مرادها، إن هوسها في محل آخر. إنّه الطبخ، وأمنيتها أن تُخرج كتاباً عن وصفات الطعام المتوسطي. هذا الشغف لا يردّنا فقط إلى أنثويتها، بل ينمّ عن أصالة أكيدة، إنّه موازٍ لصلة أخرى بالطبيعة والبحر بوجه خاص.

طفولتها تقترن بالتجوال بالغابة المؤدية إلى الشاطئ، لقد انصرفت عن دراسةٍ كان تفوّقها فيها بارزاً، بل كانت الأولى فيها. مع ذلك بقي هواها في مكانٍ آخر، إنّه هوس يمكننا بسهولة أن نردّه إلى حقيقة أكيدة، إلى ما يُمكن أن ندعوه أصالة، ونراه في العمق وفي الداخل. إنّه شغف بقي معها وكأنه جزءٌ منها، لقد حملته باستمرار، ودون أن تغفل عنه أو تهمله، إلى أن حانت ساعته بعد عمر طويل.

كان هذا هو الوقت الذي استعاد فيه فيليب نفسه وهدوءه، وثابت هي فيه إلى نفسها. يمكننا أن نفكّر هنا بالشرق والغرب، لا بدَّ أنَّ هذه النزعة التي واكبتها منذ الطفولة اقترنت بصلتها بالطبيعة والغابة والبحر، إلى أرضها نفسها. لا بدّ أن هذا جزء من حقيقتها، من جوهرها.

من الناحية الأخرى، هناك الأخت الثانية ليندا التي هي بالقياس إلى ناديا الأجمل والأكثر إغراءً. هي كذلك دائماً في الخارج، إنها مرتجلة دائمة، ليس لديها ما يعيدها إلى نفسها، وما يستوقفها ويدعوها إلى التأمل والإمعان. جوابها حاضر دائماً، إنه الواقع يتكلّم على لسانها. إنّها مصلحتها التي تمثّل دائماً، ليس الحب أو الشغف أو المبدأ، إنها فقط طموحها ومنفعتها. هذا ما يجعلنا نبحث عن حقيقتها التي ليست واضحة لنا. إنّها تقريباً لا تملك جوانية أختها، التي احتفظت بها إلى الأخير. لا تملك، بالقياس إلى أختها، أي أصالة من أي مستوى. إنّها فقط الظاهر والخارج.

نحن هكذا أمام العائلة؛ الأم التي توشك أن تستعاد في البيت لولا أن لابنتها التي تُشبهها ما يجعلها قادرة على المقاومة. هناك الأخوة، فيصل الذي يعمل في ليبيا ويرسل مالاً إلى والدته، لكن هناك من الناحية الأخرى نوفل الذي يبدو، بالقياس إلى الجميع، غير قادر على المواجهة، بل غير قادر على الحياة نفسها، بحيث نجد أن غرقه في النهاية يشبه حياته كلها، بل يبدو خاتمة منطقية لها.


* شاعر وروائي من لبنان

كتب
التحديثات الحية
المساهمون