استمع إلى الملخص
- أيام دمشق تحمل ثقل الماضي والحب النادر، حيث تتشابك العمارة القديمة مع الدموع، وتظل الذكريات محفورة في الحجر، بينما يظل الشوق والجوع يرافقان المشتاقين.
- الشاعر يستذكر البساطة القديمة والخوف من الفراق، حيث كانت الشجرة كالأم تجمعهم، ويظل الأطفال يركضون خلف الظلال، متشبثين بذكريات الفجر والمكان الذي ضحكوا فيه معًا.
الحنين في نسخته الأصلية
وكيف تكونُ دمشق؟
أطرقُ بابَها في الجنوب،
دون تذكُّر رائحتها كمثل رائحة الخبز.
تركتُ قلبي في "الصالحية" قرب صنبور الماء،
أعثرُ عليه ربّما ميّتاً،
أو ربّما هائماً على وجهه،
أو ربّما بقي معي
قطعةً من الحديد تآكلت من الشوق.
مثلما نهرٌ يجفُّ على أطراف أقدم مدينة مأهولة.
أتركُ كلّ شيءٍ كي أبقى طفلَها
الذي يُشبِّهُ جبلاً قرب "دُمّر" بغيمةٍ
أو وسادةٍ كنتُ أُفردها كي أنام في الليل.
أن ألمسَ وجهها في "شارع بغداد"،
وأن أمشي من "البرامكة" إلى "شارع النصر"
كالهائم على وجهه في الصحراء،
وقرب "محطّة الحجاز"، سأتذكّر ذلك اليوم
الذي قلتُ فيه أيضاً:
وداعاً يا دمشق.
■ ■ ■
أيامُ دمشق
حين يأتي الشّعر من منطقة بعيدة ويُفاجئ الأوغاد،
من الظلّ الذي يرمي عليه جسد الكلمة،
من أيام دمشق الثقيلة التي لم تزل على الأكتاف،
من المحبّة النادرة وهي تتشبّه باسم مدينة قديمة،
من العمارة التي تركها المُتيّمُ قرب السرير،
وحجارتها لم تزل محفورة بالدموع والعويل،
من صوت الأب الذي كحدوة الحصان محمولاً
على باب البيت.
من الأنفاس التي تطلع من الطين،
من الجوع الذي يضرب الأقاليم،
من شظف العيش في البلاد التي أتينا منها،
من كسرة الخبز يمضغها المشتاق،
من الشوق الذي في الجسد،
من الجسد الذي في القبر،
من القبر الذي هو الأمل!
■ ■ ■
من صفحة مهترئة بعض الشيء
كيف نعود إلى الذي مضى،
والشِّعر يمشي بجانبي مثل ظلّي قرب قاسيون،
الذي كان جاري في "دُمّر البلد"؟
قاسيون رجلٌ يمشي في جنازته منذ ستّين عاماً أو أكثر بقليل،
لكنّه يتذكّركِ، وهو يعرف حتى شبابيك البيوت،
كان يُضيء لي الطريق في الثانية قبيل الفجر
وأنا أمشي إلى غرفتي التي تبعد عن دمشق
آلاف الأميال!
■ ■ ■
نُحبّ شجرة مثل أُمّ
أتذكّر البساطة القديمة
حين كنّا نخاف من لحظة الفراق،
ونُحبّ شجرةً مثل أُمّ
تلمّنا من نظرة الغريب.
نضعف أمام الثمار التي على الأرض،
ونرى مثلها على العربات وضح النهار.
نحن أطفال الخوف،
انتظرنا حتى المغيب تحت جناح الطير
كي نتأكّد أين تذهب الظلال،
ركضنا وراءها دون أن نوقظ سكّان المدينة،
ولمسنا رائحة الحجارة عند سفوح الجبال،
تشبّثنا بغَبَش الفجر
فاختفى المكان الذي كنّا نضحكُ فيه معاً.
* شاعر سوري مقيم في مدينة نيوجيرسي الأميركية