ذكرى ميلاد: عزيز نيسين وجنيّاته المتوحّشات

ذكرى ميلاد: عزيز نيسين وجنيّاته المتوحّشات

20 ديسمبر 2021
(عزيز نيسين، 1915 - 1995)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، العشرون من كانون الأول/ ديسمبر، ذكرى ميلاد الروائي والكاتب المسرحي التركي عزيز نيسين (1915 – 1995).


في الجزء الأول من مذكراته "هكذا أتينا إلى الحياة"، يفتتح عزيز نيسين الذي تحلّ اليوم الإثنين ذكرى ميلاده، الكتاب بسؤال طرحه عليه كثيرون: كيف تكتب بهذه الكثافة؟ ويجيب عليه بأنه لا يملك ساحرة إلهام؛ طائر برأس إنسان، مثل تلك التي تعشش على كتف الفنان وتهمس في أذنه، وكأنها تلقّنه الفن.

ويتابع الروائي والكاتب المسرحي التركي (1915 – 1995) قائلاً: "جنياتي لا يشبهن البشر أبداً، إنهن يمتلكن عشرة بالمائة من الإنسانية، وتسعة بالمائة من أشكال الوحوش. هؤلاء الجنيات أو الوحوش لا يعششون على كتفي. بل يعتلون ظهري. وأنا مغلول اليدين منكمشاً على ذاتي لا أقوى على الحراك، هؤلاء الساحرات والجنيات لا يعشن فرادى، بل على شكل قطعان، إذا نزلت اثنتان عن ظهري. تصعد ثلاث.

ويشير نيسين إلى أن الساحرات قبيحات الشكل والمنظر، والجنيات رائعات الخُلق والخَلق، الساحرات يضربنني والجنيات يمسدن شعري وجسدي. جنيات الإلهام وساحرات الوحي عندما يهمسن في أذن الفنان يلهمنه ويفتحن أمامه أبواب الفن والإبداع. ولكن هؤلاء الساحرات يركبن على ظهري دائماً. يتعلقن. يضربنني كالوحوش. يصرخن في وجهي: هيا اكتب. لا تتوقف اكتب. لماذا أنت متوقف هكذا؟ من سمح لك أن تنام؟ هيا استيقظ. لا تجلس هكذا. هيا تحرك بسرعة. لا يحق لك أن تمرض أو تكتئب أو تتوقف. هيا تحرك. اكتب.

شكّل الواقع والتراث التركي وشخصية جدّه الأمي مصادر كتابته الساخرة

هكذا يصف الكاتب الساخر كتابته التي تنبعث عن غضب خفيّ مفاجئ، تعبيراً عن الضائقة والفاقة اللتين لم تفارقا عيشه وحياته، ولا يجد نفسه نادماً على ذلك حيث لن يختار سوى هذه الطريق لو وُلد مرة ثانية وجاء إلى الحياة مرة أخرى، فلن يتمنى غير الرحيل سعيداً من تعب هذا العمل اللذيذ.

عاش نيسين طفولة فقيرة في الجزيرة التي وُلد فيها بالقرب من إسطنبول، وكانت علاقته بوالده متوترة قليلاً بسبب اختلاف وجهات النظر بينهما، فالطفل يريد أن يصبح كاتبا، ووالده يريده عسكرياً ليضمن وظيفته ومستقبله، وهكذا أُرسل الفتى إلى العسكرية لكنه ظلّ يكتب الشعر والقصة القصيرة وينشرها باسم مستعار اختاره هو "عزيز نيسين" بدلاً من اسم الولادة محمد نصرت نيسين، حيث نُشرت نصوصه الأولى في نهاية الثلاثينيات، ولم تمض سوى بضعة أعوام حتى سُرّح من الجيش وأودع السجن بسبب كتاباته، ليبدأ العمل بعد ذلك في الصحافة.

وأصدر نيسين العديد من المجلات والصحف حيث اشترك مع آخرين فيها، مثل "المجلة الأدبية" مع الكاتب التركي ناظم حكمت، ولكنه سيدخل السجن عدّة مرات كانت إحداها على خلفية ترجمته أجزاء من كِتاب "رأس المال" لكارل ماركس، كما تم نفيه وكتب في سنوات المنفى مؤلّفاً نظّر فيه حول نهجه في الكتابة.

ثلاثة مصادر أساسية استمدّ منها مضامين كتاباته الساخرة، كما أشار ذات يوم، الأول هو قراءته للواقع التي انبثقت عن معاناة شديدة ورغبته في الانزياح بالملمّات والأزمات التي عاشها نحو الغرائبية واللامعقول، والثاني كان جدّه الأمّي الذي علّمه أن يتحرّر من الصمت ويأخذ الحياة كلها على مقلب الفكاهة، والثالث أتى من اطلاعه الشديد على الأدب الشعبي في بلاده، ومنها حكايات نصر الدين خوجة (جحا) ومأثورات السرد والأمثال.

أصدر نيسين العديد من المجموعات القصصية منها "أسفل السافلين" و"الإضراب الكبير" و"آه منا.. نحن معشر الحمير" و"ذنب الكلب" و"لن نتطور أبداً" و"مجنون على السطح" و"آلة سريعة العطب" و"لا تنس تكة السروال" و"كيف قمنا بالثورة"، وروايات مثل "يحيى.. يعيش ولا يحيى"، و"سرنامة.. وقائع احتفال رسمي" و"زويك.. الكلب الملتجي في ظل العربة"، إلى جانب عشرات النصوص المسرحية التي صدرت في أعمال كاملة لاحقاً.
 

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون