ذكرى ميلاد: عبد الهادي التازي.. التأريخ أداة للتحرّر والاستقلال

ذكرى ميلاد: عبد الهادي التازي.. التأريخ أداة للتحرّر والاستقلال

15 يونيو 2021
(عبد الهادي التازي، 1921 - 2015)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الخامس عشر من حزيران/ يونيو، ذكرى ميلاد المؤرخ المغربي عبد الهادي التازي (1921 – 2015).


في كتابه "عبد الهادي التازي: نشاطه الفكري والسياسي"، يعود الباحث العراقي إلى نشأة المؤرخ المغربي (1921 – 2015) الذي تحلّ اليوم الثلاثاء ذكرى مولده، وقد تعرّض إلى الاعتقال أول مّرة وهو لم يبلغ السادسة عشرة بعد، بسبب خروجه في التظاهرات المندّدة بسياسة المقيم العام الفرنسي الجديد في المغرب.

بدأ التازي منذ صغره، بحسب الكتاب، بالتساؤل عن أسباب الاحتلال إن كانت تكمن في قوّته وأطماعه أم في ضعف المغاربة، وما أسباب هذا الضعف، وكان من الطبيعي أن يتأثّر بالحركة الدينية الإصلاحية التي ظهرت في مسقط رأسه؛ مدينة فاس، حيث تصدّرت رموزها من أمثال علال الفاسي ومحمد بن العربي العلوي وأبي شعيب الدكالي العملَ الوطني ضدّ المستعمر.

تبنّى الثقافة العربية الإسلامية أساساً للهوية المغربية المعاصرة في مؤلّفاته وعمله السياسي

 

درس صاحب كتاب "المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي" في "جامع القرويين"، وكان من أوائل المنتمين إلى "الحزب الوطني"، مؤمناً بشعاراته المطالبة بالتحرّر والاستقلال، وبحكم دراسته في إحدى أبرز المؤسسات التعليمية الدينية في البلاد انحاز إلى التيار الذي يتبنّى الثقافة العربية الإسلامية في الحزب كأساس للهوية المغربية المعاصر بزعامة الفاسي في مواجهة التيار الذي حمل هوية الحداثة والثقافة الفرنسية بقيادة محمد بن الحسن الوزاني.

تركّز نشاط التازي في تلك المرحلة على كتابة المقالات الصحافية التي مزجت بين رؤى دينية ومواقف سياسية مناهضة للاستعمار، كما قاد الإضراب داخل جامع القرويين حين حاول الفرنسيون تقليص دوره العلمي والوطني من خلال التدخل في شؤونه الداخلية، ونجح الإضراب الذي كان سبباً في صعود اسمه في صفوف الحركة الوطنية، حيث اعتُقل مرة أخرى لمدة عام ونصف بتهمة الترويج لوثيقة الاستقلال، قضاها في تدريس المعتقلين، وتعلّم في الوقت نفسه اللغة الفرنسية.

بعد خروجه من السجن، عيّن أستاذاً في "القرويين" وبدأ اهتمامه ينصبّ في تلك الفترة على كتابة مقالات حول تاريخ المغرب، ونضالات أبنائه ضدّ القوى الأوروبية؛ الإسبان والبرتغاليين والإنكليز والفرنسيين، والتي أثارت حفيظة المراقب الفرنسي على الصحافة آنذاك، واستطاع أن يضع منهاجاً لمادة التاريخ، وأن يبدأ تأليف موسوعته التي حملت عنوان "التاريخ الدبلوماسي للمغرب - من أقدم العصور إلى اليوم".

في الوقت نفسه، أيّد التازي السياسات الإصلاحية الداعية إلى تعليم المرأة في المدارس المغربية، وشارك في تأسيس جمعية نسائية باسم "أسرة النور" التي أسّست بدورها فرقة مسرحية قدّمت أعمالاً تاريخية ووطنية ساهمت في خلق وسيلة جديدة لمواجهة الثقافة التي فرضها الاحتلال.

تجنّب صاحب كتاب "أوقاف المغاربة في القدس" القبول بأي منصب سياسي بعد الاستقلال عام 1956، واقتصر عمله في الشأن العام ضمن المبادرات والمؤسسات الثقافية حيث اختير عضواً في لجنة توحيد المناهج التربوية، وتعزيز الانفتاح على الثقافة والمثقفين في المشرق العربي، ثمّ عيّن سفيراً لبلاده في العراق وممثلاً لها في الأمم المتحدة، إذ اختارته الوفود العربية ممثلاً لها في مؤتمر الأسماء الجغرافية في نيويورك عام 1992 حيث تصدّى لمحاولات "إسرائيل" تغيير أسماء المدن العربية في فلسطين.

ألّف التازي العديد من الكتب، منها "الوسيط في التاريخ الدولي للمغرب"، و"جامع القرويين"، و"مكة في مئة رحلة مغربية ورحلة"، و"الحماية الفرنسية على المغرب"، و"أمير مغربي في طرابلس 1143 هـ. 1731م"، و"الرموز السرية في المراسلات المغربية عبر التاريخ"، إلى جانب تحقيقه جملة مخطوطات، مثل "بدائع السلوك في طبائع الملوك" لابن الأزرق، و"الابتسام عن دولة ابن هشام" لأبي العلاء إدريس.
 

المساهمون