ذكرى ميلاد: سيد درويش.. موسيقى التغيير

ذكرى ميلاد: سيد درويش.. موسيقى التغيير

17 مارس 2021
(سيد درويش، 1892 - 1923)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، السابع عشر من آذار/ مارس، ذكرى الملحّن المصري سيد درويش (1892 – 1923).


بعد فشل ثورة أحمد عرابي عام 1882، ووقوع مصر تحت الاحتلال البريطاني، لم يمضِ أقل من عقدٍ حتّى ظهرت أحزاب سياسية تطالب بحقوق الشعب المصري. وترافَق ذلك مع بروز دعوات إصلاحية داخل مؤسّسة الأزهر، إلى جانب ظهور العديد من التنظيرات حول النهوض في المجتمع بمختلف نواحيه، في لحظة عصيبة من تاريخ مصر.

عبّر سيد درويش، الذي تحلّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلاده، عن تلك المرحلة، من خلال ما قدّمه من جُمَل لحنيّة وموسيقى تتجاوز كثيراً حدود المألوف في زمنه، وانفتاحه على ثقافات عربية وغربية تركت مؤثّراتها في فنّه الذي استطاع أن يصل إلى جميع طبقات الشعب وفئاته.

ويمكن النظر إلى تجربة الملحّن المصري (1892 – 1923) من أكثر من مستوى، لكنّ أبرزها على الإطلاق تمثَّلَ في تعميمه الأفكار الوطنية والإصلاحية على جميع الناس، حيث لم تعُدْ حِكراً على النخبة السياسية والفكرية آنذاك. ولم تأت هذه النتيجة ضمن سياقات مثالية، بل قادت إليها ظروفٌ صعبة وقاسية عاشها درويش الذي وُلد في الإسكندرية وقاسى فقراً شديداً، وعمل ــ وهو لم يبلغ السادسة عشرة بعد ــ في مهن عديدة مثل الإنشاد والغناء وأعمال البناء، والتي لم تكن تكفي لإطعام عائلته.

وخلال عمله في إحدى ورشات البناء، سيستمع إلى صوته الأخوَيْن أمين وسليم عطا الله، اللذين أسّسا فِرقةَ تمثيل في مصر في نهاية القرن التاسع عشر، حيث رافقهما في رحلته الأولى إلى بيروت، والتي تعلّم منها الكثير، في فترة نشطت فيها فِرَقٌ شرقية عديدة بالمدينة. لكنّه سيعود من تلك الرحلة مفلساً ليواصل العمل في مقاهي الإسكندرية، رغم اعتراض العائلة على احترافه الفن.

مرّةً ثانية، وقبل أن يبلغ الثانية والعشرين من العمر، سافر درويش إلى سورية، حيث اطّلع فيها على العديد من المدارس والتيّارات الموسيقية، وتعرّف إلى عددٍ من كبار أساتذة الموسيقى، واستكمل هناك دراسة علوم الموسيقى العربية، وحفظ عن ظهر قلب التراث العربي، ثم عاد إلى مدينته سنة 1912.

صعَد نجمه بعد ذلك من خلال عمله في الصالات والمقاهي، ودعاه الملحن الشهير سلامة حجازي ــ بعد أن استمع إلى صوته ــ إلى أن يشاركه تمثيل إحدى المسرحيات الغنائية. غنّى سيد درويش من ألحانه خلال هذه المسرحية، ليُقابَل بعدم قبول الجمهور لها، مما جعل سلامة حجازي يخرج من خلف الستار ليقول للناس إن درويش هو "عبقري المستقبل".

لكنّه سيقدّم أعمالاً ناجحة في المسرح الاستعراضي الذي أنشأه جورج أبيض، وكذلك الحال في تعاونه مع نجيب الريحاني في عددٍ من مسرحياته، لتنتشر أغانيه بعد ذلك بسرعة قياسية، ويرّددها الأطفال والرجال والنساء والعمّال والفلاحون. سيقوده هذا النجاح إلى تأسيس فرقته الخاصة. وقد كان وضع، في تلك الفترة، ألحانَ 22 أوبريتاً والعديد من السيمفونيات والموشّحات والأدوار.

تهيّأ سيد درويش بعد نجاحه المبهر لاستقبال سعد زغلول في الإسكندرية، عائداً من منفاه عام 1923، حيث حفظ طلاب المدارس النشيد الذي لحّنه ابتهاجاً بعودة الزعيم الوطني، إلا أنّه أصيب بنوبة قلبية مفاجئة في مساء الرابع عشر من أيلول/ سبتمبر، ورحل فجر اليوم التالي في بيت شقيقته، بعد ثورة كبيرة في تحديث الموسيقى العربية كان التراث أساس قيامه بها.

المساهمون