ذكرى ميلاد: رشيد ميموني.. الربيع لن يكون إلّا أكثر جمالاً

ذكرى ميلاد: رشيد ميموني.. الربيع لن يكون إلّا أكثر جمالاً

20 نوفمبر 2020
(رشيد ميموني)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، العشرون من تشرين الثاني/ نوفمبر، ذكرى ميلاد الروائي الجزاري رشيد ميموني (1945 - 1995).


حين صدرت رواية "طومبيزا" عام 1984، أبدى الروائي الجزائريُّ الراحل كاتب ياسين إعجابه بها، مُعتبراً أنها أهمُّ رواية جزائرية خلال السنوات العشرين الأخيرة. لكنَّ المزاج العام في بلادٍ كانت لا تزالُ تعيش في زمن "الحزب الواحد" كان سيكون له رأيٌ مختلف إزاء الرواية وصاحبها وإزاء أيّ صوت نقدي.

ليست رواية رشيد ميموني (1945 - 1995)، الذي تمرّ اليوم ذكرى ميلاده، سوى عملٍ عن اللاعدالة الاجتماعية، عن السلطة ممثّلَة في محافظ شُرطة متسلّط، يتمادى في فرض سطوته على غيره، ويجد سعادةً بالغة وهو يرى إذعانهم أو تذلُّلهم له. إنه "يهينهم ويُعنّفهم، يلطمهم ويدحرجهم، يوبّخهم دون سبب. فقط لمجرّد أنهم وجدوا أنفسهم أمامه وجهاً لوجه، لا بُدّ أن يفرض عليهم سلطته كمحافظ شرطة في هذه المدينة، ويُعتبّر عن كراهية لهؤلاء الناس الذين ليس بوسعهم إلّا أن يطأطئوا رؤوسهم أمامه، يُشبعهم ركلاً، ينهال عليهم بوابل من الشتائم البذيئة. حين يمرّ، يلتصقون بالجدران ويرجعون القهقرى حتى لا يلاقوه".
 
ومثل "طومبيزا"، تبدو بقية أعمال صاحب رواية "الربيع لن يكون إلّا أكثر جمالاً (1978)، ملتصقةً بالمجتمع الجزائري، قريبةً من قضاياه؛ ففي روايته "النهر المحوّل" (1982)، وهي أشهر أعماله على الإطلاق، رسم صورةً استعارية عن ذلك النهر الذي جرى تحويل مساره ليصل إلى مصبّ آخر، وهذا النهرُ ليس سوى الثورة الجزائرية التي حُوّلت عن مسارها وحُرّفت أهدافُها الحقيقية. أمّا في "شرف القبيلة" (1989)، فتناول إشكالية تصادُم محاولات عصرنة المجتمع بالرجعية. وبينما تحدّث عن السنوات الأولى من الاستقلال وعن سعادة الجزائريّين باستعادة حريتهم في "سلام يُعاش" (1983)، عاد في "شقاء يُعاش" (1989) ليتحدّث عن الشقاء الذي يعيشه الجزائريون في ظلّ حكم عسكري أجهز على انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر 1988.

ظلّ ميموني ملتزماً بمسافة من السلطة؛ فهو، كما سنقرأ في أحد حواراته، يعتقد أن وظيفة المثقّف هي الرفض. وفي العام 1988، وبينما كانت الجزائر تعيش على وقع أكبر انتفاضة ضدّ السلطة، أسّس مع الروائي جيلالي خلّاص "اتحاد الكتّاب الحر"، كمنبر يسعى للانفلات من هيمنة السلطة ورقابتها، في مقابل "اتحاد الكتّاب الجزائريّين" الرسمي.

بسبب مقارباته تلك، ظلّ رشيد ميموني مغيّباً عن وسائل الإعلام الرسمية ولم يجر الالتفات إليه أكاديمياً إلّا في السنوات الأخيرة. وفي لقاء أجراه مع الكاتب أحمد شنيقي ونُشر في صحيفة جزائرية قبل أشهر من رحيله (نشره موقع "نفحة" بالعربية بترجمة صلاح باديس قبل بضع سنوات)، تحدّث الروائيُّ عن تصنيف رواياته ضمن "المعارضة السياسية"، مُعتبراً أنَّ ذلك محاولة لإفراغها من قيمتها الأدبية: "كلّ هذه النعوت التي أُلصقت بنصوصي كان لها هدف واحد: أن تنزع عنها كلّ قيمة أدبية، لكن ليس الآن - ربما بعد عشر سنوات - عندما بدأوا يرون أنّه، خلف التشهير السياسي، والذي لا أنفيه عن رواياتي، هناك "كتابة". والدليل على هذا اليوم أنّ هذه النصوص تُدَرّسُ في عدّة جامعات، ليس في الجزائر، لكن أيضاً في الخارج".

ومثلما ناضل ميموني ضدّ السلطة، سيناضل أيضاً ضدّ الأصولية الدينية التي أطبقت على الجزائر بدايةً من التسعينيات. في روايته "اللعنة" (1993)، سيُقدّم صورةً عن مجتمع يغيب عنه الوعي والحبّ ويتسلّط عليه الخوف. وبعد نشرها، تلقّى تهديداتٍ بالقتل، فغادر الجزائر إلى غير رجعة، إلى مدينة وجدة المغربية حيث عاش، ثمّ إلى باريس حيث رحل بعد سنتَين من ذلك.

المساهمون