ذاك النشيد

ذاك النشيد

19 أكتوبر 2021
أحمد ماطر/ السعودية
+ الخط -

يمضي النبيّ ابراهيم إلى صحرائِه ممتثلاً لندائِه، لبئرِهِ الأولى التي ينهل منها شوقَه، أي وَجْدَه بالوجود. لا يجد في الأرض ما يكفيه من المعنى لكي يَسنُدَ عامود خيمَتِهِ فيخرج إلى الكون شاهراً شوقَه إلى السماويّ الذي يسكنُهُ ويسلُبُه نومَه. يهجُرُ عائلتَه وقومَه وأرضَه ويهوي في الليل دون نجوم. 

ينزحُ عن حياتِه الآمنة ويتشرّد في قلبِه وخارجَ سربِهِ دون دليل سوى ذاك النشيد العنيد: كُن ما يريدُ لك شوقُك الإنسانيّ أن تكون. لا تطمئنّ إلى أصنام الممكِن والمتوارث والمألوف. كُن جديراً بمستحيلِكَ، بالإلهيّ الذي فيك والذي أنت فيه، الإلهيّ الذي هو امتحانُك وأنت خليلُه ونبيّه وتجليّه.

هذا هو الشوق الإبراهيميّ، شوقٌ شاقّ يأمرُك بما لا طاقةَ لك بِهِ ولكن لن تقوم لك قائمة بدونه. شوقٌ لا تعرفُه حقّ المعرفة وإنْ كان لك، لكنّه يعرفُك ويملكُك. شوقٌ يذبحُك ويفتديك. شوقٌ إمامٌ يأخذ بيديك في رحلة الصحراء لكي تصنعَ به ومنه ذاتَك وحياتك ومعانيك. 


* شاعر واختصاصي نفسي عِيادي من فلسطين

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون