حياة التقاليد الأدبية

21 مارس 2025
"شهرازد والليالي العربية" لـ أبو زيدون حنوش (2002)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تفتقر الثقافة العربية إلى تقاليد أدبية متواصلة باستثناء الشعر، حيث لم تتطور فنون مثل المقامة والحكايات إلى تقاليد مستمرة، مما يعكس الانقطاعات الثقافية.
- ركزت النخب العربية على الشعر العمودي، متجاهلة أشكال التعبير الأخرى مثل الحكايات الشعبية، مما أدى إلى عدم مناقشة قضية الانقطاع الأدبي بشكل كافٍ.
- استفاد كتاب من ثقافات أخرى من الأنواع السردية العربية، بينما لم يُستغل هذا التراث بشكل كافٍ في الثقافة العربية، حيث بقيت الحكايات ضمن الفولكلور دون دمجها في السرد العربي.

هل لدينا تقاليد أدبية؟ نعم أم لا؟ الراجح هو: لا. باستثناء الشعر بالطبع، الذي يمتد في ثقافتنا لأكثر من ألف وخمسمئة عام، ولكنّه لا يكفي للقول بأنَّ التقاليد الأدبية مستمرّة ومتواصلة في الثقافة العربية. وتطرح هذه القضية علينا مسألة الانقطاعات المتعدّدة في الثقافة العربية بالكامل. ففن المقامة انقطع عند تجربتين عربيتين رائدتين، ولم يترك وراءه أثراً ممتداً يمكن أن يتحوّل إلى تقليد أدبي.

بعد مرحلة التأسيس التي بدأها بديع الزمان الهمذاني، لم تتطوّر المقامة كنمط كتابي أو شكل يمكن أن يعبّر من خلاله الكاتب عن هواجسه وتأملاته. وكان الحال ذاته بالنسبة للحكايات، ثم السير الشعبية. وقد يكون أصل الحكايات والسير الشفوي قد ساهم في عرقلة صنع التقاليد، غير أنها كلّها كانت قد تحوّلت إلى نصوصٍ مكتوبة بعد اكتمال شكلها الحكائي والأدبي.

 لم تقدّم الثقافة العربية إجراء مناسباً وملائماً لفتح قضية التقاليد

وكان الأساس كامناً في القطيعة شبه الشاملة بين النخب العربية التي اختارت شكلاً وحيداً من التعبير الأدبي، وهو الشعر العمودي حصراً، واعتبرت أنّه التمثيل النهائي للغة والمجتمع، وتجاهلت أشكال التعبير الأخرى كافة، فأهملتها، كما في حالة الحكايات الشعبية، أو رحلتها إلى بطون الكتب دون الاهتمام بتجديدها. حتى اليوم لم أقرأ بحثاً يناقش قضية الانقطاع من جهة، والتجاهل من جهة ثانية، خاصّة أن واحدة من أكثر الحكايات جمالاً في الكون، وهي ألف ليلة وليلة، كانت محتقرة تقريباً في ثقافتناً.

قال الناقد المصري الراحل محمود الربيعي إن قضية التقاليد الأدبية تكاد تكون مهملة في النقد العربي الحديث، وهي قضية واسعة، وتحتاج إلى تضافر جهود عدة على مدى زمن طويل. وهذا الرأي يمكن تتبعه على أرض الواقع، وعلى الرغم من مرور سنوات على هذه الدعوة القيمة، فإنّ الثقافة العربية لم تقدم جواباً، أو رداً، أو إجراء مناسباً وملائماً لفتح قضية التقاليد.

واللافت في أمر الأنواع السردية العربية أن يكون قد استفاد منها كتابٌ روائيون وقصاصون من ثقافات أخرى، ومن بين هؤلاء مشاهير مثل بورخيس، تمثيلاً لا حصراً، الذي وضع فن الخبر العربي في أساس الكثير من قصصه، بينما لم يكن قد اطلع عليه إلا عبر الوسائط، أي في الترجمة. وقد يحتاج الأمر لدراسة عميقة تأخذ قصص بورخيس من هذا الجانب، أي من السؤال عما إذا كانت استخدامات بورخيس لبعض أشكال السرد العربية تنتمي إلى منحى تطوير الوظائف السردية لهذه الأشكال، أو اقتصرت على امتصاص قدراتها.

كذلك كان الأمر مع "ألف ليلة وليلة"، التي ساهمت في تحرير فنون السرد في العالَم كله، وفي الثقافة الغربية، من قيود العلاقة بين الواقع والمخيلة. بينما لم يظهر أثر لها في الرواية العربية مثلاً، كما لم نتمكن من استخدام إمكاناتها السردية اللامتناهية لتطوير فن الرواية العربية المستمدّ أصلاً من ثقافات مغايرة. كما لم يُسأل فيما إذا كان ذلك ممكناً بالفعل، لا من قبل النقاد، ولا من قبل الروائيين. واحتفظنا اليوم بالحكايات ضمن الفولكلور التراثي، نفتخر بها ونتباهى، ونصرّ على نسبها العربي الصريح والصحيح، ولكننا لا نُدخلها، وربما لا نستطيع أن نُدخلها ضمن المسار الفني السردي العربي.


* روائي من سورية
 

موقف
التحديثات الحية