حنين إلى كتالونيا

حنين إلى كتالونيا

14 يونيو 2021
"الرمبلا" (الرملة) وسط برشلونة، 2017 (Getty)
+ الخط -

عشت في أقصى الشمال الشرقي من شبه الجزيرة الأيبيرية، حيث لطالما استحممت بأشعة الشمس الأولى. كتالونيا: ربيع شمسي. وكل ما هو في الجنّة المفترضة، موجود فيها على نحو عياني. كتالونيا بشخصيتها الخاصة، اعتادت أن تكون حدّية ولا تقبل الحل الوسط: هيَ إما جحيم للغريب، أو نعيم. والأخير، لحسن الحظ وحسن الظروف، كان من نصيبي هناك.
إنما المفارقة، أنني أعيش اللحظة في الجزء الشمالي الشرقي من بلجيكا، بين إخوتنا الفلمنكيين المتحفّظين. ورغم أنهم وضعوني، بعد عام ونصف من الشرشحة في مخيّم لاجئين، في فيلا فخمة، إلا أن الجحيم هنا، لسوء الحظ ولسوء الظروف، كانت من نصيبي، أيضاً.

أمِنْ قليل يحنّ الكائن الفلسطيني إلى كتالونيا، كما حنّ واحد، سواه، مشهور، هو المغمور؟
أحنّ إلى شعرائها، ومشرّديها، إلى جميع أنواع المقبّلات والحلويات محلّية الصنع، وقائمة نبيذ واسعة النطاق.
إلى بناتها، وهشاشة أمل روائييها.

أحنّ إلى منطقة وسط البلد في العاصمة. على الرغم من التضاريس الوعرة، التي سأقطعها ليلاً، في حال عدت إليها الآن.
المكان دافئ ومليء بالتاريخ، والعابرون ودودون وعندهم رحمة.
أحنّ إلى رحالة جالسين، آكلي نقانق، وشخص ينظرهم، واقفاً على الطابور، ويريد سمكة مخبوزة منتقاة.
المكان دافئ ومليء بالتاريخ: النادلون أشدّ نشاطاً من الموظفة المرهقة على مقعد الحساب، لكن الشرفة بها أكثر من 20 حيّزاً، مع كراسٍ خشبية من طرازات وأحجام مختلفة، تطلّ على المنحدرات المتعرجة والخلجان الصغيرة والبحر المفتوح.
وما يفعل كل هذا المتقدّم؟
إنه يسترخي بظلاله الواهنة على الروح، على الرغم من الوباء، ويجعلها تشعر بخلود لحظة الحاضر.

أحن إلى طقس برشلوني، ممطر أو مشمس، وفي الحالتين بديع، مع سمات مميزة. أما عن كثب مني، يقبع في هذا المكان (الذي ينظم عادةً حفلات موسيقية حميمة، في فترة ما بعد الظهر، ويقدّم المشروبات حتى الفجر)، سائحون وسائحات من الشمال، يرغبون في أسبوع إقامة. إلى مزرعة قديمة تعود إلى القرن السادس عشر، في ضواحي ساريا، بجوار أكمة أرز. إلى بيت كاميران وفاليريا في بوبلي سِك، وبيت باو في قرية كالونجة جنوبَ مايوركا، حيث رأيت الشِّعر يولد من رف حمام يحط على الكنيسة، ومن شحرور يدور في مدار شجر المشمش.

متى نشكرك يا إلهي: عندما، كبيرٌ ومريحٌ هو العالم؟
مصمَّم بذوق، وهناك ثلاث مساحات مختلفة: الطابق الأرضي - مع غرف مختلفة بأحجام مختلفة - الطابق الأول والتراس؟
هنا، توقعات الطقس متغيرة دائمًا: ثمة نهارات، كل نهار منها، يحتوي على سمات الفصول الأربعة.
في البدء، كان الواحد لا يتنبّأ بالطقس ولا يتكيّف معه.
إنما، بعد عامين، صار كواحد من حملة الباسبورت.
بلجيكا بإقليم فلاندرز على الأقل؟ إنها بلد على ما قُسِم.
وهي لا تروق إلا لمزنوق، وما من بدائل، أو لمحبّي جمع الأموال، إمّا كدَّ جبين، أو تجارةً في اللامشروع.
أحنّ إلى صفاء مانريسا، ولا أحن أبداً للعودة إلى بروخم.


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية

المساهمون