حمدي بنّاني.. رحيل آخر أعمدة المالوف الجزائري

حمدي بنّاني.. رحيل آخر أعمدة المالوف الجزائري

22 سبتمبر 2020
(حمدي بنّاني، 1943 - 2020)
+ الخط -

في كتابه الموسوعي "مَعلمة الجزائر"، الذي صدرت ترجمتُه العربية عام 2009، يذكر الباحث الجزائري عاشور شرفي حكايةً طريفةً لميلاد أغنية "عيون لحبارة" التي مثّلت منعطفاً في تجربة الفنّان الجزائري حمدي بنّاني (1943 - 2020)، بل في فنّ المالوف بشكل عام؛ إذ يروي أنَّ بنّاني راح يُدندن بلحنٍ للأغنية خلال استراحةٍ له في استوديو بباريس، وبدلَ أنْ يُسجّلها بموسيقى المالوف التقليدية، حثّه إسكندر نقّاش على تسجيلها باللحن الذي سمعه منه، وهو ما حدث فعلاً؛ فكان ذلك بمثابة بدايةٍ لتجربة فنّانٍ مُجدّدٍ في طابع المالوف.

كان ذلك في سبعينيات القرن الماضي التي تكرّس خلالها اسمُ حمدي بنّاني - الذي رحل أمس الإثنين في مسقط رأسه عنّابة شرق الجزائر - كواحدٍ من أبرز فنّاني المالوف؛ النوعِ الموسيقي المنحدر من الموسقى الأندلسية.

ويرى شرفي أنَّ بنّاني برز كاسم مختلف عن عميدَي المالوف محمد الطاهر الفرقاني في قسنطينة وحسن العنّابي في عنّابة؛ حيثُ عمد إلى إدخال توزيعاتٍ جديدة لأغانيه، معتمداً على آلاتٍ موسيقية جديدة هي الأُخرى بالنسبة إلى هذا الطابع الموسيقي؛ مثل الأورغ الكهربائي والغيتار والباص، كما وظّف أنواعاً موسيقيةً مِن خارج المالوف؛ مثل الفلامنكو، وهو ما أثار اعتراضاتٍ من "الشيوخ".

ولم يقتصر اختلاف حمدي بنّاني عن غيره من الفنّانين على هذا الجانب فحسب؛ بل شمل مظهره أيضاً؛ وهو الذي طالما ظهر ببدلةٍ بيضاء وكمان "ستراديفاريوس" أبيضَ صُنع خصّيصاً من أجله، وقد زُوّد بمكبّر صوتٍ داخلي. وهذا البياض الذي لازمه كان سبباً في إطلاق لقب "الملاك الأبيض" عليه.

تخلّى حمدي بنّاني، واسمه الحقيقيّ محمد الشريف بنّاي، باكراً عن دراسته ليُعيل عائلته، لكنَّ ذلك لم يمنعه من تعلُّم الموسيقى بتشجيعٍ من عمّه محمد بنّاني (رحل عام 1951) الذي كان نحّاتاً وعازفاً على آلتَي العود والزرنة في فرقة محمّد الكُورد خلال أربعينّيات القرن الماضي.

ورغم أنّه أدّى في العام 1958 أغنية "أنا عاطفي" للمغنّي والممثّل الفرنسي الأميركي إيدي كونستانتين (1917 - 1993) وحاز عنها الجائزة الأولى في مسابقة موسيقية، إلّا أنَّ بدايته الفعلية أتت بعد سنواتٍ مِن ذلك، حين أدّى أغنية "باهي الجمال" في مسرحية "بوس بوس" لحسن دردور عام 1963.

في العام 1966، شارك في الدورة الأولى من "مهرجان الموسيقى الأندلسية" بالجزائر العاصمة، وسجّل أوّل عمل موسيقيٍّ له في مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون الجزائريَّين، ليُصدر أسطوانته الأولى بعد عامٍ من ذلك، وقد حملت عنوان "يا مول السرّ سيدي براهم" (1967).

بعد ذلك، التحق بـ"الجوق النموذجي لموسيقى وأغنية المالوف"، الذي تأسّس في عنّابة عام 1970 بقيادة الفنّان حسان العنّابي. وهي السنة التي شارك فيها مع الجوق في عرضٍ بالجزائر العاصمة حضر فيه الرئيس الراحل هوّاري بومدين.

وفي العام 1973، سيعود اسمُ حمدي بنّاني إلى الساحة الفنّية بقوّةٍ، وهذه المرّة من باريس التي سجّل أصدر فيها ثلاث أسطواناتٍ تضمّنت عدداً من الأغاني البارزة؛ مثل: "المنوبية"، وقاضي السلام"، و"الورد". ويبدو أنَّ هذه التجربةَ دفعته إلى تأسيس استوديو تسجيل خاصٍّ به حمل اسم "بنافون". وفيه سجّل عدداً من أغانيه التي أكسبته شهرةً امتدّت إلى كلّ الجزائر؛ من بينها خصوصاً: "عيون لحبارة" و"جاني ما جاني".

أسّس بنّاني فرقةً موسيقيةً عام 1977 ضمّت ثلاثين عضواً، وظلّ يُقدّم أغانيه التي حازت جوائز وتكريماتٍ داخل الجزائر وخارجها، من بينها جائزة أفضل أداء في "مهرجان الموسيقى التقليدية" بسمرقد عام 1983. ولم يتوقّف عن الغناء حتى رحيله متأثّراً بفيروس كوفيد19. وبرحيله تكون موسيقى المالوف قد فقدت آخر أعمدتها بعد رحيل محمد الطاهر الفرقاني في 2015.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون